استكمالاً لموضوع إنساني بدأنا به في الأيام الماضية حول كيفية بناء العلاقات مع الآخرين بشكل إيجابي في حلقتين ( هكذا نستثمر مع قلوب البشر ) وأخرى ( تريّث في كسب القلوب ) وطالبنا بعدم الاستعجال في كسب الناس أو العلاقات، فليست العبرة بالكثرة بقدر ما هي في النوعية وإن قلّت، لكن البعض لا يقدر على التصبر أو التريث، بحجة أن الوقت يمضي سريعاً وهذا العصر من سماته السرعة، وبالتالي حتى مسألة تكوين العلاقات مع الآخرين لا بد أن تتسم بسمات هذا العصر.. وقد يتفق البعض مع هذا التوجه ويخالفه البعض الآخر..

طريقتان سأتحدث عنهما اليوم للراغبين في تكوين العلاقات والراغبين في الوقت نفسه مسايرة العصر وسرعاته المتزايدة.. والطريقتان باختصار هما السفر والمال.. طريقتان تختزلان الوقت بشكل كبير..

إن السفر مع من ترغب في تكوين علاقة معه يختصر عليك الزمن كثيراً، سواء سفر عمل أو سياحة، واليوم الواحد في السفر يعادل ربما سنة كاملة، تعرف أثناءه صاحبك، وكيف يفكر وكيف يتصرف وكيف وكيف.. أما الطريقة الأخرى هي التعامل بالمال بأي شكل من الأشكال.

إذن السفر والتعامل بالمال طـريقتان يمكن استخدامهما، وأنت تبني علاقتك مع الغير في عصر السرعة.. وستكتشف على الفور في غضون أيام معدودات معادن الناس.. تلكما الطريقتان تفيدان، ولكن ليست بالنسبة المئوية العالية، أو بالشكل المأمول. نعم قد تكتشف معادن وأخلاقيات من تسافـر معهم أو تتعامل معهم بالمال، ولكن مع ذلك لا يمكنك أن تصل إلى نتيجة مؤكدة تفيدك بالاستمرار معهم من عدمه. لماذا؟ لأن للسفر ظروفه وأحكامه، مثل التعامل بالمال.

نعم في السفر تكون الظروف مختلفة، قد تفيدك في مواقف معينة وتكتشف بعض ما قد لا ترغب رؤيته في صاحبك أو من تنوي بناء علاقة إستراتيجية معه، ولكن لا يمكنك الجزم بحكم معين، لأنه وعلى الرغم من أن السفر يكشف الكثير من بواطن وخفايا الأمور بالإنسان، ويكشف الكثير من صفاته ومعدنه، إلا أن السفر سيظل عبارة عن موقف واحد من مواقف حياتية متعددة لابد أن تمر بها مع صاحبك، حتى تصل إلى حكم قانع ومؤكد وصحيح في الوقت نفسه.

بالمثل ينطبق الحديث مع المال والتعامل به مع صاحبك. قد تجد موقفاً معيناً غير محبذ لك فيه وأنت تتعامل معه بالمال، ولكن قد لا تجد الموقف نفسه مرة أخرى في حالة تختلف ظروفها ومكانها وإن كانت بالمال أيضاً، فتجده شخصاً مختلفاً..

ومن هنا نعود مجدداً لنؤكد على أهمية إفساح المجال لبناء العلاقات مع الغير أن يأخذ وقته الكافي، حتى لو كنا في عصر السرعة، وحتى لو أن للسفر والتعامل بالمال لهما الأثر الكبير في كشف معادن الناس، فإن الحياة مليئة بالمواقف المتنوعة المعينة في عملية كسب وبناء العلاقات مع الغير، حتى يصل أحدنا إلى حكم صحيح لا يظلم فيه الآخرين.

علينا أن نختار الصاحب أو الشريك أو الصديق الذي نجد أنفسنا فيه، نطمئن إليه ونثق به ولا ندع مجالاً لذرة من شك أن تدخل في العلاقة.. ولن تدخل تلك الذرة بإذن الله، طالما العلاقة محكمة رصينة أخذت كفايتها من الوقت والصقل.. فهل وصلت رسالتي؟