المشتغلون في عالم التجارة والاقتصاد، يدركون الفرق الدقيق بين التجارة والاستثمار، أو الفرق بين أن تكون تاجراً أو أن تكون مستثمراً.. فالفرق مهم وكبير ونوعي كذلك.. فالتاجر نظرته قصيرة وحركته سريعة وينتظر النتائج بشكل سريع. بمعنى أن تركيزه على التكتيكات والخطط السريعة الجالبة للربح وإن كان قليلاً. بعكس المستثمر الذي يعمل وفق إستراتيجية طويلة الأمد، وحركته مدروسة لا عجلة فيها أو عدم تركيز، ولا يستعجل النتائج. إنه ينتظر بينما التاجر لا ينتظر. وهذه هي بعض الفروقات.. ولمن أراد الاستزادة، فليبحث عن صديق له مستثمر، وعن آخر تاجر، ويجلس إليهما ليعرف كيف يفكر كل منهما..

 ما يهم في موضوعنا ليس التحدث عن التجارة أو الاستثمار في الأموال، ولكن استثمار في نوع خاص من المعاملات هو موضوع حديثنا، ويدور حول كسب البشر أو قلوبهم إن صح التعبير، فأن تكسب إنساناً في حياتك دلالةٌ على أنك مستثمر ناجح وصاحب رؤية ثاقبة وتسير وفق استراتيجية طويلة. لكن ما معنى كل هذا في العلاقات الإنسانية؟ وهل نحن في تجارة أو حرب حتى تكون هناك خطط واستراتجيات واستثمارات؟

 نعم نحن في علاقاتنا مع الغير ومحاولات البناء، في حالة أشد من التجارة ومنافساتها، فالتجارة قد تكسب أو تخسر فيها، وقد تعيد المحاولة تلو الأخرى، وبالمثل الحرب، التي هي كرٌ وفـر، وهزيمة ونصر.. لكن في مجال بناء العلاقات مع الناس، فالأمر يختلف تماماً..

 إن بدأت في تكوين وبناء علاقة ما مع إنسان، وفجأة ولظروف أو أسباب معينة، تدهورت العلاقة وخسر كل منكما الآخر، فلا تعتقد أن الأمر سيكون سهلاً على كليكما العودة للبناء ومواصلة المسير. لا، المسألة غاية في التعقيد والحساسية.

 بناء العلاقات مع البشر، ربما هو من نوادر العمليات البنائية التي تحتاج إلى التريث والتمهل وعدم الاستعجال أو الدفع بها للوصول إلى النهايات المرغوبة.. المستثمرون الراغبون في بناء علاقات إنسانية مع الاخرين، تجدهم أكثر الناس تمهلاً وتريثاً في مسألة تكوين العلاقات وتعزيزها، وليس غريباً إن وجدت أحدهم وقد خرج مع نهاية العام بعلاقة أو علاقتين..

 إن أحدهم لا يستعجل النتائج لأنه على يقين شبه تام، أنه كلما طال الوقت كلما استطاع التغلغل إلى أعماق الطرف الآخـر، وفهم نفسياته ومكنونات قلبه وذهنه، وبعد ذلك يكون مهيئاً لاتخاذ قرار المواصلة، من بعد أن يبدأ يستشعر توافقاً حاصلاً وتناغماً في التفكير والأداء، والنظر في الأمور والأشياء معه.. إن المستثمر الناجح في كسب الناس، يدرك تماماً أن عملية بناء العلاقة مع شخص تتطلب وقتاً وتتطلب الكثير من التمهل وعدم الانتقال من خطوة أو مرحلة إلى أخرى، قبل التأكد من أن المرحلة تامة ولا فيها ما يعيب أو يمكن أن يؤثر على مراحل مستقبلية قادمة..

وللحديث بقية نكملها في مقال قادم بإذن الله.