كيف يعيش أحدنا بين شعورين؟ سؤال مطروح على الجميع..

أما الشعور الأول فهو يتمثل في الحزن على شيء فات، فيما الشعور الثاني متمثل في التفكير بما هو آتٍ.. الشعور الأول بالطبع شعور فائت حول حدث ما، قد وقع وانتهى وصار ماضياً. أما الشعور الثاني فيتعلق بشيء ما من المحتمل حدوثه في المستقبل أو قد لا يحدث مطلقاً.. وحديثنا اليوم عن الشعور الأول وهو الحزن على ما فات، وسيكون لنا حديث آخر بإذن الله عن الشعور الثاني، أو شعور التفكير بما هو آت، أو التفكير في المستقبل القادم..

 لاحظ حين تجد شخصاً حزيناً كئيباً على الدوام، ما إن تراه حتى ينتقل حزنه إليك وتنتقل بالمثل كآبته إلى نفسك بصورة لا شعورية، فتعيش فترة من الزمن معه وتبدأ تشعر مثله، وربما تستمر معه كما لو أنك تحولت وصرت الشخص ذاته.. ولولا أنك تمتاز بالمهارة المناسبة لتخليص نفسك مما حل بك ونزل عليك، فإنه لا شيء يضمن خروجك بنجاح مما كنت فيه. هذا الشخص الحزين ما صار حزيناً بسبب التفكير في الماضي، ولكن بسبب التفكير المستمر على الماضي أو أمر فات وصار ماضياً، بغض النظر عن ماهية ذاك الأمر أو الذنب أو الخطأ الذي ارتكبه أو رآه أو عاشه.

 لا شك في أن الحزن شعور بشري لا يمكن مقاومته، ولكن في الوقت ذاته لا يجب أن ندع هذا الشعور يطيب له المقام بالنفس.. لماذا؟ لأن الحزن أو هذا الشعور القوي المتدفق لو لم نقاومه بعد حين من الدهر قصير، فإنه سيبدأ بتدمير تدريجي لكل عوامل الاندفاع والانطلاق مرة أخرى نحو حياة سعيدة أو على الأقل حياة ذات طابع إنتاجي.

 لو لم نقاوم الحزن بشكل جاد متعقل، فهو فعلاً سيكون عامل هدم وتعطيل؛ لأنك كلما هممت بأمر فيه حيوية وإنتاج، وفي ظل تحرك الحزن في النفس بكل حرية من دون مقاومة، فإنه سيبدأ بالتدفق مرة وأخرى وثالثة وألف للسيطرة على وجدانك وتذكيرك بالذنب أو الإثم أو الخطأ أو المشكلة أو غيرها من مسببات حزنك، فتتوقف وتتعطل أمورك.

 الحزن يشير إلى الماضي، وأي ماض لابد أن نتعامل معه بالشكل المناسب. وهذا الشكل المناسب يكون عبر الاستفادة من أحداث ووقائع الماضي وأخذ الدرس والعبرة والعظة منها، لتكون تلك العبر والعظات والدروس بمثابة الوقود المحرك الدافع للانطلاق مرة أخرى نحو حياة، لا تقبل ولا تعترف بالتوقف والتعطل لأي سبب كان

 إن هذه الحياة ذات طبيعة متغيرة لا خلود عليها لشيء، بل كل شيء فان وزائل عليها، ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام.. فلماذا إذن، والحال هكذا، نكتب الخلود للحزن في أنفسنا الدنيوية حتى نتعطل بسببه، ونصل بالتالي إلى مرحلة من عدم إدراك أهمية وضرورة السير في هذه الحياة، بشكل نسخّر كل ما يدفع بنا إلى الفوز بحياة حقيقية وهي الآخرة، أو حياة الجنة تحديداً، حيث لا مشاعر مؤلمة ولا أنتم تحزنون؟

سؤال جدير بالتفكر والتأمل فيه للحظات.. وللحديث بقية.