كثر حديثنا عن الفنون الإسلامية بشتى أنواعها: الزخرف، الخزف، العمارة الإسلامية.. الخ، وعصورها المختلفة: أموي، عباسي، فاطمي..ولدينا المزيد؛ فالمعين لا ينضب، وهذا يرجع إلى أنه لم يكن مجرد فن، ولكنه نوع من العيش بالطريقة التي تخدم وتحترم عقيدة المسلم وأخلاقه حتى في الفن، مما دعانا إلى توضيح ودراسة الفن الإسلامي الذي نكمل حلقاته الموصولة واحدة تلو الأخرى.

مميزات العمارة والفنون الإسلامية

* المساقط الأفقية:

  • كان المسجد هو أهم الأبنية في عصور الإسلام والغاية الكبرى في التصميم المعماري؛ ولذلك اهتم المسلمون بتصميمه، وأهم ما يتطلبه من عناصر تكوينه هو الصحن الذي يتسع لأكبر عدد من المصلين ويلي ذلك الميضأة.. وكان يحيط بالصحن المكشوف أروقة لحماية الناس والمصلين من حرارة الشمس وخاصة الرواق المُيمَّم شطر مكة المكرمة، فكان أكثر عمقاً من باقي الأروقة، وفى حائطه يوجد المحراب أو القبلة التي تتجه إلى الكعبة وعلى جانبها المنبر، وعلى مقربة منه مقعد المبلِّغ لتلاوة القرآن الكريم. كما تحتل المآذن أهمية خاصة لبعض أجزاء التصميم مثل زوايا مكان العبادة من المسجد.
  • ومن الأبنية التي لها أهمية معمارية كبيرة هي “الوكالة أو الخان” أي الفندق، حيث كان يُبْنَى في المدن الكبيرة مثل القاهرة ودمشق والقسطنطينية. وكان يتكون من فناء داخلي مكشوف ذا سعة كبيرة تطل عليه عدة حجرات للنوم ودورات المياه اللازمة، ويتكون من طابقين لاستقبال الغرباء من التجار والزوار.
  • أما فيما يتعلق بالمساكن فكانت تصمم بطريقة انفرد بها الشرق وسمِّيت بالطابع الشرقي، وذلك بعزل بعض وحدات المبنى وتخصيصها للنساء (الحريم) وسُمِّيَت بالحرملك، وبطبيعة الحال كانت الفتحات المطلة على الطريق العام ضيقة صغيرة تحميها قضبان من الحديد، أما الفتحات العلوية فكانت ذات سعة مناسبة تحتوى على ضيقة مغطاة بمشربيات خشبية لحمايتها من الشمس.

* الحوائط الخارجية:

  • كانت الحوائط الخارجية عادة قليلة الفتحات المطلة على الطريق العام؛ ولذلك اهتم العرب بتصميم الأفنية الداخلية والعناية بها، وجعل الفتحات الهامة الرئيسية تطل على هذه الأفنية من الداخل، وكانت تُبْنى الحوائط على مداميك منظومة من الحجر، وعدد من قوالب الطوب. وتقسم الواجهات عادة إلى بانوها Panels غاطسة قليلاً إلى الداخل ذات عقد، أو تتوج بعقد مستقيم ينشأ فوق تكوين بديع من المقرنصات.وكانت أغلب البانوهات تحتوى على صفين من الفتحات السفلية متوجة بعقود مستقيمة، ويثبت لهذه الفتحات ضلف شمسية خلف مصبعات من الحديد والنحاس، أما الفتحات العلوية فكانت على شكل عقود مخموسة، أو تنفتح عن نافذة ذات فتحتين ترتكز على عمود في الوسط يعلوها فتحة دائرية كانت تملأ بالجبس أو الزجاج.

* المداخل والفتحات:

  • كانت المداخل عبارة عن فتحات عميقة مستطيلة في المسقط الأفقى، عمقها يقرب من نصف عرضها، وتحتل معظم ارتفاع المبنى وتنتهي بعقد مخصوص، وكثيرًا ما توضع هذه الفتحة في بانوه على جانبه عمودان وأعلاه حلية زخرفية على شكل شرفة. أما الفتحات فكانت أعمال النجارة فيها تحتل أمكنة هامة في الفتحة بأشكال هندسية بديعة مفرغة تحتوى على الزجاج الملون. وخاصة الفتحات العلوية في المبنى التي وضعت على شكل شرفات مصنوعة من الخشب المجمع المعروف بأشغال المشربيات، والتي تعتبر من أهم العناصر المعمارية في العمارة الإسلامية.

أهم عناصر العمارة الإسلامية

1 – المـآذن:

ظهرت المآذن في العمارة الإسلامية لأول مرة في دمشق حين أذن بالصلاة من أبراج المعبد القديم الذي قام فيما بعد على أنقاضه المسجد الأموي. وكانت هذه الأبراج هي الأصل الذي بنيت على منواله المآذن الأولى في العمارة الإسلامية، ولا سيما في مصر والشام وبلاد المغرب. بنيت على منواله المآذن الأولى في العمارة الإسلامية، ولا سيما في مصر والشام وبلاد المغرب.

وكانت المآذن في العصر الإسلامي الأول مربعة القطاع حتى الشرفة الأولى، ثم تستمر كذلك مربعة أو على شكل ثمانيّ الأضلاع، ويلي ذلك شكل مثمَّن أو دائري وتنتهي بقبة صغيرة.

أما مآذن العصر الذهبي في الإسلام فكانت تقام على قاعدة مربعة ترتفع قليلاً أعلى سقف المسجد، وبعد ذلك تتحول على شكل ثمانيّ الأضلاع إلى الشرفة الأولى، وكان يُحَلِّي كل ضلع من هذه الأضلاع الثمانية قبلة صغيرة مزودة بأعمدة لها نهاية مثلثة الشكل.

أما مآذن الدولة العثمانية، فكانت من النوع المخروطي على شكل القلم Pencil Point، وهي دائرية القطاع بكامل ارتفاعها، وتنتهي بشكل مخروطي. وغالبًا ما تكون لها شرفة واحدة أستعيض فيها عن البرامق الحجرية بحواجز من الخشب.

2 – العقـود:

عرفت العمارة الإسلامية أنواعاً مختلفة من العقود، وكان كل بلد يفضل بعض هذه العقود على البعض الآخر. ومن العقود التي استعملت في العمارة الإسلامية بوجه عام ما يأتي:

أولاً: عِقد على شكل حدوة الحصان، وهو عقد يرتفع مركزه عن رجلي العقد، ويتألف من قطاع دائري أكبر من نصف دائرة.

ثانياً: العقد المخموس، وهو يتألف من قوس ودائرتين وهو مدبب الشكل.

ثالثاً: العقد ذو الفصوص، استعمل خصوصاً في بلاد المغرب ويتألف من سلسلة

عقود صغيرة.

رابعاً: العقد المزين باطنه بالمقرنصات، شاع استعماله في الأندلس ولا سيما قصر الحمراء وبلاد المغرب.

خامساً: العقد المدبب المرتفع، استعمل بكثرة في إيران ونجد منه أمثلة في مسجد الشام واستعمل أيضًا في مساجد مصر.

3 – الحليات والزخارف والمقرنصات:

هي حليات معمارية تشبه خلايا النحل، استعملت في المساجد في طبقات مرسومة وتستعمل في الزخرفة المعمارية أو بالتدريج من شكل إلى آخر وخصوصاً من السطح المربع إلى السطح الدائري الذي تقوم عليه القباب. وقد ظهرت المقرنصات في القرن الحادي عشر، ثم أقبل المسلمون على استعمالها استعمالاً عظيماً حتى صارت من مميزات العمارة الإسلامية في واجهات المساجد والمساكن وتحت القباب وفي تيجان الأعمدة وفي الأسقف الخشبية اختلفت أشكالها باختلاف الزمان والمكان.

4 – الأعمدة والتيجان:

استعملت في البداية أعمدة كانت تنقل من المعابد والكنائس والعمائر المزينة، ثم اكتسبت العمارة الإسلامية أعمدة وتيجان مبتكرة سميت أعمدة ذات البدن الأسطواني وذات المضلع تضليع حلزوني، وذات البدن المثمن الشكل.

وكانت الأعمدة في بعض الأحيان تؤخذ من مباني بعض أطلال الأبنية الرومانية القديمة أو البيزنطية القديمة لاستعمالها في باكيات المساجد، ومن الطبيعي كان تأثير هذه الأنواع من الأعمدة غريباً في مجموعه.

أما الأعمدة التي ابتدعها فنانو العرب والصناع المهرة في العمارة الإسلامية، فكانت تتميز بأشكال حلياتها الشرقية العربية الأصيلة، كانت تمتاز بالبساطة، رفيعة، نسبة ارتفاعها 12 مرة للقطر، لها تيجان جميلة ذات رقبة طويلة وصفحة مربعة مشغولة بالمقرنصات، مع أشغال الأرابسك التي تركز فوقها العقود العربية.

5 – القباب:

أخذ الفن الإسلامي في بناء القباب عن الساسانيين والأقباط والبيزنطيين، وأقبلوا على استعمالها في الأضرحة حتى أطلقت جزءاً على الكل وصارت كلمة قبة اسماً للضريح كله، وقد انتشرت في العالم الإسلامي أنواع مختلفة من القباب، ولعل أجمل القباب الإسلامية هي الموجودة في مصر وسوريا ويرجع أقدمها إلى العصر الفاطمي.

وقد كانت القباب في العهد الأول حتى نهاية القرن الحادي عشر الميلادي صغيرة، واقتصر استعمالها لتغطية الأمكنة أمام المحراب، ثم انتشر استعمالها للأضرحة، واستعين في أول الأمر لهذا بعمل عقود زاوية لتيسير الانتقال من المربع إلى المثمن، ولما أن تعددت مثل هذه العقود وصغرت ونظمت في صفوف، نشأت الدلايات المقرنصة التي انتشر استعمالها في جميع القباب في أوائل القرن الرابع عشر الميلادي.

ومن الجدير بالذكر أن للزخارف في العمارة الإسلامية حلاوة ينعم بها دون غيرها من زخارف الطرز الأخرى، كما تنفرد بمشروع كامل لدراسة الألوان، وتتميز بالبساطة التامة في التصميم، حيث كانت العمارة الإسلامية أكثر العمارات حياة وأشدها بهجة وأعظمها خلوداً.