وسام كمال
25/05/2005
لم يعد التعجب سيد الموقف في رصد ظاهرة حجاب الموضة؛ فالمحجبات أصبحن يرتدين أشكالا وألوانا كثيرة من الحجاب، فهناك النقاب، والخمار، والإسدال، والإيشارب الطويل، والحجاب المتوسط، والطرحة القصيرة جدا، والبونيه؛ ولكل نوع مئات من الأشكال والألوان.

وقد ترى محجبة ترتدي الجلباب، وأخرى ترتدي البلوزة والجيب، أو البنطلون. ويوجد في ملابسهن الواسع والضيق؛ فالجلباب (العباية) التي ابتكرت لكي تكون ساترا للجسم ومظهرا من مظاهر الورع والحشمة والزهد وعدم جذب الأنظار تحولت لدي البعض وأصبحت أكثر ترفا ولفتا للأنظار من غيرها في ملابس المحجبات.

محجبات صنف ثالث

ورصدت لنا الكاتبة الإسلامية صافيناز كاظم في مقدمة كتابها “في مسألة السفور والحجاب”(1) صنفين من المحجبات في عصرها؛ وهما:

الملتزمة بالفريضة: التي ترتدي الحجاب الشرعي وفقا لشروطه لا لشكل معين؛ غير ممانعة من التفنن في التأنق في لون وشكل الخمار وأسلوب ارتدائه.

وتعلوها المتنفلة: وهي تلك التي تحب أن تقدم النافلة مع أداء الفريضة، والنافلة ما زاد تطوعا عند الإنسان في طاعته وعبادته قربة لوجه الله سبحانه وتعالى؛ وهي التي ترتدي النقاب.

ولم تعلم صافيناز وقتها أن الحجاب سيدخل على تعريف صنف آخر هو حجاب الموضة الذي أصاب مفهوم الحجاب ببعض الخدش، فبعد أن كان الناس متفقين على أن المباح هو الوجه والكفين، وسط جدال حاد حول فرضية النقاب وستر المرأة من رأسها لأخمص قدميها، الآن صار الواقع رغم وضوح المفاهيم نظريا يعكس اختلاطا وتحررا واسعا لدى المحجبات، فأصبحت بعضهن لا تتوارى وراء حجاب كامل؛ وتبدي بعض مفاتنها، فقد تظهر الرقبة مع جزء من الصدر، أو جزء كبير من شعر مقدمة الرأس، والعجيب أني رأيت ذات مرة إحدى الخليجيات ترتدي حجابا وجاكت وأسفل الجاكت بلوزة تظهر نصف بطنها!!!.

أسباب ارتداء الحجاب
لا يمكننا أن نفتش في ضمائر الناس، ولكن هناك مؤشرات تؤكد أن لكل فتاة منطقها في ارتداء الحجاب، فهناك من ترتديه ابتغاء وجه الله عز وجل وهن كثيرات، وهناك من ترتديه لأسباب اجتماعية متعلقة بالعادات والتقاليد؛ حتى أن بعض الفتيات المسيحيات في الريف المصري تلفحه على رأسها بمنطق البيئة الاجتماعية لا بغيره.

وهناك من تربت في أسرة متدينة فوجدت جميع نساء الأسرة يلبسن الحجاب، فلم تجد مناصا عنه ولا مفر من الاحتماء به -في عمر مبكر- من انتقادات الجميع، وأعرف فتيات يجدن فيه امتدادا لتكوينهن النفسي سواء الحياء أو الطبيعة الخجولة.

وهناك من ترتديه لأنها وجدت فيه موضة وتقليعة انتشرت بين الفتيات، أو لأن شعرها غير جميل، أو بهدف الزواج من عريس متدين. أعرف فتاة ارتدت الحجاب وخلعته أكثر من مرة حتى تلف الأنظار، ولكنها رغبت ذات مرة أن ترتديه فعلا، فلم يشجعها على ارتدائه سوى ارتباطها العاطفي بشخص اعتقدت فيه الالتزام، رغبة في الفوز به، وبعد فترة اكتشفت أنه راهن أصدقاءه أنها سترتدي الحجاب لأجله، وبعد علمها بنيته لم تخلع الحجاب؛ ربما لأنها اقتنعت به أو قد يكون لرغبتها في أن تثبت له العكس؛ وعدم قيامها بارتداء الحجاب لأجل سواد عيونه؛ لأنه ببساطة “لا يستحق”.

موضة + عقيدة
وناقش موقع هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” حجاب الموضة، في مقال بعنوان “العقيدة في الموضة”(2). تحدث التقرير عن فكرة ظهور جيل جديد من المسلمات يهتم بالموضة وآخر صيحاتها؛ وتحول إلى الثقافة الاستهلاكية في التعامل مع الملابس الإسلامية؛ خاصة في الأعياد والمناسبات؛ بعد أخذ قصات وإدخال ألوان مختلفة على أزياء المسلمات التقليدية؛ على يد مصممات مسلمات تلقين تعليمهن في الموضة في جامعات غربية.

ونقل المقال في تفسيره هذه الظاهرة تبريرا ذكرته أشهر مصممات الأزياء الإيرانيات قالت فيه: “العربيات والمسلمات يحببن الجمال والأناقة بصفة خاصة؛ فإن خلعن العبايات السوداء والطرح الطويلة؛ ستجد من تحتها نساء في غاية الأناقة”!!!.

استهلاك على الطريقة الإسلامية

وعندما تتصفح عبر الإنترنت المواقع الإسلامية التي تعرض أهم خطوط الموضة للحجاب والأزياء النسائية الإسلامية(3)، ربما يعجبك انفتاح المسلمين ورغبتهم عدم كبح حب الإنسان في التمتع بالحياة، لكن سيبادرك سؤال: هل ما يحرك هذه المواقع والمروجون للأزياء الإسلامية رغبة حقيقية في الترويج للبديل الإسلامي في الموضة؟ أم أن هذا البديل الإسلامي هو المفتاح الذي يروج به الراغبون في زيادة الاستهلاك لدى الإسلاميين؛ على طريقة “فوانيس رمضان” المبتكرة التي تصنعها الصين غير المسلمة وتصدرها لأسواق المسلمين رغبة في الرواج التجاري!.

المحجبات رقم (1)

وردت فقرة متميزة بشأن الحجاب في كتاب للمؤلف أحمد فؤاد بلبع بعنوان: “مؤسسة الرق من فجر البشرية حتى الألفية الثالثة”، قام د. عبادة كحيلة(4) بعرضه في مجلة وجهات نظر(5). يقول في الفقرة: “ارتبطت ظاهرة الرق بظاهرة الحجاب؛ فقد كان الأصل عند المرأة هو السفور، لكن مع ظهور مؤسسة الرق وازدياد أعداد الأرقاء من النساء، وتحدد وضع بعضهن كسرائر أو حظايا، وتحدد وضع بعضهن كبغايا، أضحت هناك ضرورة للتمييز بينهن وبين الحرائر، فبدأت ظاهرة الحجاب التي كانت قصرا عليهن، وربما كانت البداية الأولى للحجاب في فارس، حيث ألزم الأرقاء من النساء بالسفور، كما ألزم الأرقاء من الرجال بحلق شعر رءوسهم وذقونهم وشواربهم، تمييزا لهم جميعا عن الأحرار”.

لست أود من هذا الاقتباس أن أدعي اصطفائية المحجبات دون غيرهن وكأنهن ملائكة لا يخطئون أبدا؛ إذ أن هناك غير محجبات أفضل بأخلاقهن من محجبات يفهمن الحجاب على أنه شكل فقط لا خلق؛ ولكنني أشعر أن الحجاب نفسه هو فكرة اصطفائية؛ بمعنى أن الله أراد بالمسلمات خيرا عندما أمرهن بالحجاب؛ لأنه يجعل من ينظر إليهن يقيِّمهن على أساس عقولهن لا أجسادهن.

هكذا أمرنا الله

لا أخلص إلى وضع المحجبة بحجابها الذي هو “على آخر موضة” في قفص الاتهام؛ بل على العكس، ربما التنوع والأناقة يكونان سببا في الإحسان إلى الدين وتيسيره على الملتزمات، وكل ما أود الإشارة إليه أن شروط الحجاب (أن يكون ساترا للبدن عدا الوجه والكفين + واسعا لا يصف + سميكا لا يشف + لا يلفت الأنظار + ألا يكون زينة في ذاته + ألا يكون لباس شهرة) هي الأولى في وضع الحجاب على الرأس؛ لأنها مواصفات أمر الله بها ولا يجوز المساومة عليها باستخدام مقولة: “هذا الحجاب غير الكامل أفضل من التبرج” و “نصف العمى ولا العمى كله”. فالتبرج لا يعني خلع الحجاب؛ وإنما هو عدم استيفاء شروط الله في حجاب المسلمة؛ لأن المسلم مأمور بأن يعبد الله كما أمر لا أن يعبده على هواه {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً} (الفرقان: 43).

طالع أيضا:

1 – صافيناز كاظم : في مسألة السفور والحجاب، ( القاهرة: مكتبة وهبة ) ؛1982.
2 –http://www.bbc.co.uk/pressoffice/pressreleases
stories/2002/11_november/28/faithinfashion.shtml/
3 – انظر:
http://www.abayasnstuff.com
http://www.islamicladieswear.com/hijab.html
http://www.muhajabah.com/hjbstor.htm
http://www.alimanfashion.com
4 – عبادة كحيلة: أستاذ التاريخ الإسلامي بجامعة القاهرة.
5 – العدد الخامس والستون – يونيه 2004 من مجلة وجهات نظر.