معتز الخطيب**

على مدى 3 أيام (8-10/8/2006) اجتمع العديد من الباحثين والمختصين في الفقه وأصوله، في الندوة العالمية عن الفقه الإسلامي وأصوله وتحديات القرن الحادي والعشرين، والتي حملت عنوانًا دالاً هو “مقاصد الشريعة وسبل تحقيقها في المجتمعات المعاصرة”، نظمها قسم الفقه وأصول الفقه بالتعاون مع المعهد العالمي لوحدة الأمة الإسلامية في الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا. قُدِّم في الندوة التي حضرها باحثون من دول عديدة، 57 بحثًا باللغة العربية، و36 بحثًا باللغتين الإنجليزية والمالاوية. وكان هناك حضور جيد من تونس البلد الذي أعيد فيه اكتشاف المقاصد من جديد حيث صدرت فيه الطبعة الأولى من كتاب الموافقات للشاطبي سنة 1884م، وبتعليق ثلاثة من علماء الزيتونة. وكذلك من المغرب العربي البلد الذي شهد في العقدين الأخيرين من السنين نهضة في البحوث المقاصدية، وفيه ظهرت ثلاثة كتب من أبرز الدراسات المقاصدية: للعبيدي والريسوني والحسني. غير أن الندوة شهدت مساهمة للأخير فقط الذي اكتفى بإرسال بحثه دون الحضور.

توزعت محاور الندوة على ثلاثة عشر محورًا، يمكن حصرها -عمليًّا – في أربعة، الأول حول القضايا النظرية والمنهجية في دراسة المقاصد، والثاني حول قضايا الإصلاح والتجديد والوحدة والحضارة في ضوء المقاصد الشرعية، والثالث حول مقاصد الشريعة والقرآن والسنة، وإن كانت البحوث فيه تقتصر على ثلاثة (اثنان في الحديث، أحدهما لا علاقة له بالمقاصد!، وواحد في القرآن)، وكان هذا المحور يستحق من الاهتمام أكثر من ذلك بكثير. والرابع حول المقاصد والقضايا التطبيقية (المالية، والسياسية، والجنائية، والأسرة وغيرها).

ولأن الخوض في المسائل التطبيقية يطول، فضلاً عن أنه لا يمكن استيفاء كل هذه المحاور في هذه العجالة، فسنقتصر على معالجة أبرز أفكار المحور الأول وهو محور تأسيسي أبستمولوجي، مع إيراد بعض المناقشات التي تمت.

أولاً: جدل المقاصد والواقع

1- التفاعل مع الواقع:

بحث إسماعيل الحسني مسألة التمايز والتفاعل مع الواقع في الفكر المقاصدي، منطلقًا من سؤال مركزي حول الجفاء الذي يحكم العلاقة بين أحكام الفقه وما تجري عليه حياة معظم المسلمين من الاحتكام لقوانين وضعية، والتساؤل الذي طرحه تركز على كيفية الخروج من ذلك الجفاء؟ وفي الإجابة يرى أن التفاعل الإيجابي مقصد شرعي، وأصل من الأصول النقدية في الإسلام، الواجب توفرها في المستخلف، وعليه فإن المقصد المطلوب دائمًا هو أن نقبل على الاندماج في واقعنا والتفاعل مع معطياته على رغم ما فيه من انحرافات وتناقضات.

واستلهام التفاعل الإيجابي لا يتحقق، ولا يمكن تشغيله بالنسبة لواقعنا الراهن دون ممارسة اجتهاد متحرر، والتحرر من الجفاء لا يتأتى فحسب بمنطق الفعل السياسي وحده، ولا بمنطق الوعظ الإرشادي، بل لا بد أن يُسند كلُّ ذلك باجتهاد فكري وفقهي يعتمد آليات ثلاثة: آلية الاحتكام إلى مقاصد الشريعة، وآلية الوعي المنهجي بالتمايز، وآلية الجمع بين ما هو كائن وما ينبغي أن يكون، وكلها آليات متساندة ومتلازمة.

فالمقاصد هنا تعني المعاني والدلالات المقصودة من خطاب الشريعة، والغايات المصلحية المقصودة من تشريع أحكامها. ومن أبرز المقاصد التي نحتاج لاستلهامها في معالجة واقع الجفاء بالإضافة إلى مقصد التفاعل الإيجابي: مقصد التحرر من الفلسفة العملية التي تنطوي عليها الترسانة القانونية الوضعية، أما الوعي بالتمايز فيستلزم الجمع المتآلف بين ما ينبغي أن تجري عليه حياة الناس حتى تتسق مع الشريعة، وبين ما تجري عليه حياتهم المعاصرة من الاحتكام إلى قوانين وضعية.

ومراعاة الواقع هي منشأ الوعي بالتمايز، وذلك في صورتين: التمايز في الأمكنة والأزمنة كما يبدو في مباحث المكي والمدني من القرآن وأسباب النزول وغيرها، والتمايز في أساليب البيان، كما يبدو في مباحث الدلالات المقصودة من الخطاب الشرعي. وعلى أساس هذا الوعي ندرك مغزى نزول أحكام القرآن منجمة في زمن الرسالة. ومن شأن الوعي بالتمايز أن يمكّن الفقيه من أن يضع أي تطبيق للأحكام الشرعية الضابطة للسلوك المجتمعي في حجمه الحقيقي وإطاره الموضوعي.

وبناء على هذا الوعي -بحسب الحسني- يمكن إدراك حدود ما اصطُلح عليه بتطبيق الشريعة، ويعنون به تطبيق الجانب القانوني منها. فهذا الجانب لا يمثل كل الشريعة وليس عمودها وذروة سنامها. بل إن الإلحاح عليه في السياق الدولي المعاصر يرجع على صورة المجتمع والفكر الإسلامي في الآن والمآل بكثير من المفاسد الراجحة أضعاف ما يثمره من المصالح الممكنة. وليس في هذا تعطيل للأحكام الشرعية؛ لأنه لو لوحظ أن تطبيق الحدود الأربعة أصبح متعذرًا في زمان ومكان، فمن الواجب تطبيق عقوبة أخرى. والجانب الجنائي بطبيعته الإجرائية ثمرة سابقة للإعداد الأخلاقي، فهو مسبوق بأخلاقيات الشورى والتضامن واحترام العلم والعلماء والكفاءات.

أحمد بوعود (المغرب) حاول التنبيه إلى سبيل الانتقال بمقاصد الشريعة من كونها أداة اجتهادية يمتلكها العلماء إلى سلوك يطبع تصرفات كل متدين يصبو نحو غايتين: تمتين الصلة بالخالق عز وجل (غاية إحسانية) والمشاركة الجماعية في البناء الاستخلافي الذي نُدب إليه الإنسان بتكليف الشرع (غاية عدلية). وقريب من هذا تأكيد محمد رفيع (المغرب) على أن صياغة التكاليف الشرعية وفق كليتي الإحسان والاستخلاف يمكننا من تقديم الشريعة في صيغة مشروع تربوي حضاري إنساني يستجيب لحاجات الفرد ومتطلبات الأمة.

2- أثر الواقع في استقراء المقاصد

أما جاسر عودة (مصر) فقد ركز في ورقته على تحليل أثر تصورات الفقيه المقاصدي على استقرائه للمقاصد ونحته لمصطلحاتها، وهو بهذا يعبر عن تفاعل بين نصوص الشريعة ورؤيته هو للواقع، فمثلاً فيما يتعلق بمقصد حفظ المال، تكلم عليه العامري (381هـ) تحت مسمى (مزجرة أخذ المال) التي شُرع لها حدّا السرقة والحرابة، وتحدث إمام الحرمين عن (عصمة الأموال) وتحدث الغزالي والشاطبي عن (حفظ المال). أما في العصر الحديث مع نشأة ما سمي بالاقتصاد الإسلامي فقد حدث تطور نوعي لهذا المقصد فاتسع مع هادي خسروشاهي إلى ما يُلزم الدولة بتحقيق التكافل والتعادل والتقريب بين الطبقات، ووسّعه المرزوقي ليعني تحقيق شروط المكافأة العادلة التي هي شرط من شروط الازدهار الاقتصادي. بينما اعتبر سيف الدين عبد الفتاح المقاصد الكلية ليست إلا صياغة لمفهوم متكامل للتنمية من منظور حضاري.

ثانيًا: المنحى الأبستمولوجي:

والحديث فيما سبق كان حول العلاقة بين الواقع والمقاصد، انطلاقًا من الواقع إلى المقاصد، وبالعكس، أما على مستوى التحليل الأبستمولوجي للمشروع المقاصدي، فإن نشأته تحيل إلى وجود مآزق منهجية أو قصور في علم أصول الفقه عن أداء وظيفته ودوره من طلب اليقين وتضييق الخلاف، بحيث تحول إلى علم أصول مذهبي يشرح أسباب الاختلاف بين الفقهاء، وطرق تركيب أدلة كل فريق.

1- الحاجة المنهجية:

وهنا تحدث معتز الخطيب (سوريا) عن أسباب المشروعية التأسيسية للوظيفة المقاصدية والتي حصرها في أربعة: جمود الفقه الإسلامي مع تعاظم التحديات والانحطاط السياسي والاجتماعي؛ وهو ما أدى إلى قصور آلية القياس الفقهي الجزئي الذي لم يفِ بمتطلبات ذلك التطور، والتحديات الماثلة، ومن هنا شكلت الفكرة المقاصدية -برأيه- تجاوزًا لفكرة فرض الكفاية الفقهي إلى بناء مسائل الشأن العام بناءً تأسيسيًّا، لا يتم اختزاله في حدود رفع الإثم كما هو في التصور الفقهي. والسبب الثالث: هو العلاقة بين المقاصد وعلم الأصول من حيث وظيفة كل منهما. والرابع هو البحث عن اليقين وتضييق الخلاف الذي لم يحققه علم الأصول.

إلا أن محمد علي التسخيري (إيران) قال لي: إن المقاصد والأصول كلاهما لم يحققا اليقين والقطع. وقد اتفقت معه في هذا، بخلاف قوله: إنه لم يكن الهدف من أصول الفقه تحقيق اليقين. وإن الأصول إنما نشأ في أحضان الفقه. وذلك أنهما سعيا لذلك أصلاً، وكان هدف الأصول من لحظته التأسيسية مع الشافعي ضبط فهم النص خوفًا من تشظي الفهم حرصًا على ضبطه من الاستغلال والاختلاف، وهو بهذا سابق على الفقه، لدى مدرسة الشافعي التي اصطُلح عليها فيما بعد بمدرسة المتكلمين، بخلاف مدرسة الفقهاء (الحنفية) التي تأخرت فيها نشأة الأصول عن الفقه.

2- المقاصد والأصول:

والعلاقة بين الأصول والمقاصد، مسألة جوهرية في مشروعية القول بالمقاصد، وقد بحث نعمان جغيم (ماليزيا) واقع وآفاق تلك العلاقة، وعرض لاتجاهات ثلاثة: الأول يقول بجعلها قسمًا من أقسام الأصول، ورأى فيه طه عبد الرحمن خللاً منهجيًّا؛ لأن ما تناوله علم المقاصد هو جملة ما يختص بالنظر فيه علم الأصول بحسب وضعه الاصطلاحي، وهذا الخيار يُبقي على فقر الأصول إلى البعد القيمي والخلقي. الثاني: إعادة صياغة علم الأصول ليستوعب المقاصد بوصفها جزءًا من نسيجه. الثالث: فصل المقاصد عن الأصول، بوصفها علمًا مستقلاً، وأول من صرح بهذا ابن عاشور، وإن كان عبد المجيد الصغير نسبه للجويني قبلاً.

ومع هذا فلا يمكن أن يكون علم المقاصد بديلاً عن علمي الفقه والأصول؛ فوظيفة الأصول تزويد الفقيه بطرق تركيب الأدلة الفقهية، ووظيفة المقاصد التفقه في الدين والفصل بين الفقهاء في اختلافاتهم والتقريب بين أنظارهم.

غالية بوهدة عرضت لإمكانات استقلال المقاصد عن الأصول في ضوء عدد من الاعتبارات، لتخلص إلى أن كلا العلمين صنوان لا يفترقان في المنهجية الاجتهادية على المستويين: النظري المفاهيمي، والتطبيقي التنزيلي.

3- المنهجية المقاصدية:

لكن إلى أي مدى يمكن اعتبار المنهجية المقاصدية منهجية تستطيع أن تنقذ الاجتهاد الأصولي وتطبيقاته في المجتمع الإسلامي المعاصر؟ هذا ما بحثه بدران بن الحسن (الجزائر) من خلال نظرية الشاطبي، وخلص إلى أن تشكل المقاصد يكمن في عامل التطور الداخلي للفكر الأصولي، والعامل الاجتماعي الذي شكل محفزًا من خلال المشكلات التي طرحها في وجه المنهج الأصولي، واضطره للبحث عن آليات جديدة. وهذا ما يقضي بضرورة ومشروعية تطوير كثير من المناهج والأدوات التي نستعملها لفهم خطاب الوحي والواقع.

تاريخية الفكر المقاصدي تقضي -في رأيه- بالقول إنها مشروع معرفي جزئي مرتبط بإشكاليات ظهرت في مرحلة معينة قد تكون غير مستمرة؛ لهذا فإن اعتبارها منهجية كلية عامة يمكن العمل بها في العلوم الأخرى فيه نوع من المغالطة.

لكن قد ألح عدد من أعضاء لجنة صياغة توصيات الندوة (وقد كنت أحد أعضائها) على ضرورة ربط المقاصد بالمعارف المختلفة، وكان محمد بن نصر (تونس) حريصًا على عدم قصرها على العلوم الإسلامية وكليات الشريعة والعلوم الإسلامية في نص التوصيات، وهذا ما كان.

وقد اقترح عبد المجيد النجار (تونس) إدراج توصية تفيد بضرورة تحديد أننا نحذر من استعمال المقاصد؛ بهدف إلغاء كليات الشريعة وثوابتها. فعلقت عليه بأن هذا الخوف كان سببًا في تهميش المقاصد تاريخيًّا وحديثًا؛ بحجة الخوف من الخروج على النصوص، فضلاً عن أنه كلام يوقع في تناقض؛ إذ كيف نقول: إن المقاصد وظيفتها صيانة كليات الشريعة، ونحذر من استعمالها لهدم تلك الكليات؟!.

إلا أن الذي استقر عليه الأمر صياغة العبارة بشكل إيجابي، من حيث توجيه الاهتمام لدراسة المقاصد بما يؤدي إلى حفظ كليات الشريعة وثوابتها. ولا بد من القول: إن ذلك الخوف والهاجس سكن عقول الكثيرين حتى المنادين بالمقاصد نفسها، وهو من الأهداف المدونة لمركز مقاصد الشريعة الذي تم تأسيسه في لندن، وقدمت رقية العلواني بحثًا للرد على التوظيف العلماني للمقاصد.

وقد ذكرتُ في بحثي أنه وقعت بعض المحاولات في هذا السياق كمحاولة بورقيبة قديمًا حينما اعتبر أن الكفاح القومي ضد التخلف الاقتصادي هو “جهاد في سبيل الله” يستتبع الإعفاء من الصوم؛ إذا وجد المسلم أن الصوم يقلل من طاقته؛ استنادًا إلى مبدأ المصالح، وقد صرّح رشيد رضا بأن الذين فروا من تقرير أصل (لا ضرر ولا ضرار) خوفًا من اتخاذ أئمة الجور إياه حجة لاتباع أهوائهم وإرضاء استبدادهم.

ومع علمي بهذا كله وإيرادي له، فلست من أنصار ذلك التخوف، لأن الفعل المعرفي يفترق عن الفعل الأيديولوجي، والمشكلة الجوهرية تكمن في توهم التناقض بين النصوص والمقاصد وتصور العلاقة بينهما علاقة تهديد من أحدهما للآخر، وقد استراب النصوصيون منذ البداية من دعوة المقاصد؛ لأنهم رأوا فيها سبيلاً للتملص من النصوص، وفي هذا السياق يأتي قول البعض: إن البحث في المقاصد يحيل إلى الانقسامات بين الحرفية والغائية، فهذا يدعم التباس العلاقة بين المقاصد والنصوص، ولا تزال حادثة عمر وإيقاف حد السرقة عام الرمادة موضع جدل ونقاش لأجل هذا. وحينما قلت: إن الحرفية تُلصق -عادة- بالتوجه الظاهري تاريخيًّا، وبالتوجه السلفي الكلاسيكي حاليًّا، قال عبد المجيد النجار: إن التوجه الظاهري يقول بالمقاصد، إلا أنه يعتبر أن المقصد هو الالتزام بالنص نفسه.

وقد طرح محمد بن نصر تساؤلاً مهمًّا وهو ما الحدود التي تفصل مقاصد الشريعة الكلية عن مبادئ الفكر الإنساني العامة، بمعنى كيف نميز ما هو من كليات الشريعة عما هو من مبادئ الفكر الإنساني، حتى لا نقع في جعل فكرة المقاصد الشرعية: أرضية للتماهي مع ما هو سائد في الفكر الإنساني. ومن ثم حاول في ورقته تحرير الفكرة المقاصدية من ملابساتها الأيديولوجية.

ثالثًا: تفعيل مقاصد الشريعة

ولئن وقع الاهتمام بالمقاصد علمًا نظريًّا فقد نادى بعض المعاصرين بضرورة تفعيلها في النظر الفقهي؛ لأن حضورها في النظر الفقهي خفيف، وفعلها في الاجتهاد ضعيف، وحول تفعيل مقاصد الشريعة قدم عبد المجيد النجار ورقته، ورأى أن هذا التفعيل فعل مركب لا يتحقق إلا بجملة من العناصر، وذلك لأن النظر الفقهي لكي يكون نظرًا مقاصديًّا ينبغي أن يُبنى على العلم بمقاصد الشريعة وأنواعها ومراتبها بصفة نظرية، وعلى العلم بأولوياتها بحسب ما تتطلبه مقتضيات الواقع وملابساته، وعلى التحقيق في درجات المقاصد ليحدد لكل حكم مقصده المناسب له في القوة أو في العموم أو في الكلية، ويميز بين ما هو مقصد حقيقي وما قد يكون موهومًا، وعلى العلم بمآلات المقاصد فيما إذا كانت تتحقق من الأحكام الموضوعة لها أو تحول ظروف وملابسات واقعية دون ذلك.

وعلى هذا عرض النجار لعنصرين أساسيين رأى أنهما من أهم العناصر التي يتوقف تفعيل المقاصد عليها، وهما: التحقيق في ذات المقاصد لتُعلم درجاتها وأولوياتها، وثانيهما التحقيق في مآلات المقاصد ليُعلم تحققها في الواقع من عدمه عند تطبيق أحكامها. وهذا التحقيق بفرعيه يتبين به للفقيه الحكم الشرعي المناسب لمعالجة ما يتصدى له بالنظر، فيقرره بحيث يكون محققًا لمقصده المراد منه.

وليس هذا التفعيل على هذا الوصف، بمقصور على النُّظار من الفقهاء المجتهدين، وإنما هو عامّ في المسلمين على قدر طاقاتهم فيه؛ فكل مسلم مطلوب منه أن يكون تصرفه في الحياة تفكيرًا نظريًّا، وسلوكًا عمليًّا موافقًا لأحكام الشريعة محققًا لمقاصدها التي يجب أن تكون حاضرة في ذهنه عند ذلك التصرف ليكيفه بحسبها في حدود قدرته.

وحين تداولنا في لجنة صياغة التوصيات توجيه العناية للبحث المقاصدي قال وائل حلاق: إنه خرج بأهمية عمل سيمينار في جامعة ميغل (كندة) عن المقاصد للطلبة.

كلمة أخيرة

إن هذا المؤتمر حول المقاصد يحيل إلى إشكالية مركزية، وهي تحديد مصطلح المقاصد نفسه والذي يكمن حوله كثير من الخلاف، ومن خلاله يمكن حسم العديد من الخلافات الناشئة. وحين قلت هذا، علق وائل حلاق بالقول: إن مفهوم المقاصد وحده يستحق عقد ندوة خاصة لبحثه.

واتفقنا في لجنة الصياغة على الربط بين أحداث العراق ولبنان وفكرة مقاصد الشريعة التي جاءت لصيانة الضرورات الخمس وأولها حفظ النفس، ومن ثم دعم المقاومة التي تستهدف الدفاع عن تلك الضرورات في وجه العدوان.

صحيح أن المقاصد تشهد اهتمامًا كبيرًا في العقدين الأخيرين إلا أن وجه الاهتمام بها ما عاد قاصرًا على المنحى الفقهي، بل تعداه إلى أن فكرة المقاصد تمد الجميع -تقليديين وإصلاحيين- بمادة جيدة لمنافسة الغرب في امتلاك نظرية عامة، وكذلك في الرد على الشبهات حول الفقه وأحكامه، من حيث إنها تزودهم بتعليلات وحكم تفيد بأن تلك الأحكام باقية ومستمرة.


** كاتب سوري، محرر صفحة الإسلام وقضايا العصر