حامد العطار**

وجهت عدة أسئلة إلى مجمع البحوث الإسلامية المصري في شهر إبريل سنة 2006م تتعلق بتبادل العملات في الأسواق العالمية، وقد أجاب المجمع يوم الخميس الموافق 2 نوفمبر سنة 2006م على هذه الأسئلة فأجازها جميعا!!! ونظرا لخطورة الموضوع حيث يتعلق بالمضاربة على النقود – ومعلوم أن من أهم مقاصد الشريعة في البيوع حماية النقود من أن تتخذ سلعاً معدة للربح، لما يترتب على ذلك من الإضرار بعموم الناس – فأردت أن أبين بعض الملاحظات على أسئلة وإجابات المجمع.

بداية لم يكن المراد من الأسئلة التي وجهت إلى مجمع البحوث استفسارات عن مجرد عقد الصرف المعروف “وهو تبادل العملات بعضها ببعض”؛ فإن هذا العقد البسيط من حاجات الناس التي لا غنى لهم عنها، ولذلك كان عقد الصرف جائزا بإجماع الفقهاء بل إن حاجة الناس إليه اليوم تزداد عن ذي قبل؛ بسبب وجود معاملات ضرورية ومهمة تقتضيها ظروف التعامل الاقتصادي حاليا؛ كاحتياجات التجارة العالمية والسياحة والتعاون الاقتصادي الدولي بكل أشكاله، وهذه المعاملات لا تتم إلا بالعملات الدولية.

المضاربة على العملات

وفي كل الأحوال فما كان عقد الصرف المعروف هو مقصد السائل، إنما عنى السائل بسؤاله: المضاربة على العملات، والمقصود بها شراء عملة يتوقع أن يرتفع سعرها لبيعها وقت ارتفاع سعرها، أو بيع عملة يتوقع هبوط في سعرها أو مزيد في هبوط سعرها تفاديًا للخسارة أو تقليلا لها.

وليت الأمر يقف عند حد المضاربة على العملات بهذا الشكل السابق مع ما في هذا من مخاطر شرعية واقتصادية، ولكنه تجاوز ذلك إلى البيع الآجل للعملات، وإلى المواعدة على بيع العملات، وإلى تبادل العملات عن طريق الهامش؛ “وهي أن يدفع العميل جزءاً يسيراً من قيمة ما يرغب شراءه من العملات، ويقوم الوسيط ]مصرفاً أو غيره[، بدفع الباقي على سبيل القرض، على أن تبقى العقـود المشتراة لدى الوسيط، رهناً بمبلغ القرض”.

وخطورة هذا النوع من المعاملات كان قد تنبه إليه “مجمع الفقه الإسلامي الدولي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي في دورته الحادية عشرة سنة 1998م، والمجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي في دورته الثالثة عشرة سنة 1992م” وذهبا إلى حرمة البيع الآجل للعملات سواء أجلت العملتان من الطرفين أو أجلت عملة أحدهما، كما نص المجمع الدولي على حرمة المواعدة كذلك؛ فجاء في دورته الحادية عشرة: “لا يجوز شرعًا البيع الآجل للعملات، ولا تجوز المواعدة على الصرف فيها. وهذا بدلالة الكتاب والسنة وإجماع الأمة”.

وعودا لا عقودا

ولا يقال إن التواعد على الصرف محل خلاف بين العلماء قديما وحديثا؛ فإن عمليات الصرف الآجلة التي تنشأ على سبيل التواعد إنما هي عقود لازمة منظمة لتعامل مختلف المتعاملين بمختلف عقائدهم، ولم يراع فيها أبدًا أن تكون وعودًا لا عقودًا، بل إن اعتبارها وعدًا يمكن عدم الوفاء به دون أن يترتب على ذلك جزاء قضائي يناقض فلسفة إنشاء أسواق الصرف الآجلة.

وفي هذا السياق يقول أحد الخبراء في مجال أسواق الصرف الآجلة: “إنه عندما يتم الاتفاق على سعر معين فإن هذا السعر يكون ملزمًا ولا يستطيع أي طرف التنصل منه، أو التراجع عنه مهما كانت النتائج المتوقعة ومهما كانت الخسائر التي سوف يتحملها ذلك الطرف نتيجة الالتزام به”.

القيد الحسابي في تبادل العملات

كما أجاز مجمع البحوث الاكتفاء بالقيد الحسابي في تبادل العملات باعتباره قبضا حكميا. فما حقيقة هذا القيد الحسابي؟

هذا القيد الحسابي يقع في التعامل العاجل في أسواق العملات (SPOT) ويعنون به أن العملات المتبادلة المباعة والمشتراة يتم تسليمها خلال يومي عمل بخلاف اليوم الذي تم التعاقد فيه على إجراء العملية، مع مراعاة أيام العطلات الرسمية في حساب تواريخ الاستحقاق وهي: السبت والأحد في أوروبا وأمريكا والجمعة في الشرق الأوسط.
ويترتب على ذلك أنه إذا تم تبادل بين عملة أوروبية أو أمريكية مقابل عملة أوروبية يوم الجمعة فسيكون التسليم الفعلي يوم الثلاثاء بإهدار يومي السبت والأحد لأنهما عطلة رسمية في أوروبا وأمريكا.
وإذا تم تبادل بين عملة أوروبية أو أمريكية مقابل عملة شرق أوسطية يوم السبت فسيكون التسليم الفعلي يوم الأربعاء بإهدار أيام الجمعة والسبت والأحد؛ لأنها أيام عطلة في الشرق الأوسط فكأن العملية تمت يوم الإثنين فيكون التسليم يوم الأربعاء بعد يومي عمل، وما يحدث يوم التعاقد هو تسجيل للعملية فقط. ويعود السبب في ذلك لأمور تنظيمية وإدارية لتمكين الأطراف المعنية من التأكد من صحة كل جوانب العملية وتدقيقها وإنجاز الوثائق الخاصة بها.
ولا شك أن التأخر على هذا النحو به إخلال بالقواعد الحاكمة بتبادل العملات، والتي بينها حديث عبادة بن الصامت: حيث قال: “سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح إلا سواء بسواء عينًا بعين فمن زاد أو ازداد فقد أربى. رواه مسلم وغيره.
وحديث عمر بن الخطاب أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: “الذهب بالذهب ربا إلا هاء وهاء، والبر بالبر إلا هاء وهاء، والتمر بالتمر إلا هاء وهاء، والشعير بالشعير ربا إلا هاء وهاء” أي إلا يدًا بيد. رواه البخاري ومسلم.
وهذا التأخر قد يجوز للضرورة وللحاجة التي تنزل منزلتها، من كل محتاج للعملة للاستيراد وغيره، وأما أن يرخص في هذا للمضاربات على العملة فلا.

على أن من يدخل هذه السوق من المضاربين لا ينتهي به المطاف إلى تسليم ولا تسلم وإنما مجرد قيود وتسوية آنية؛ لأن مشتري العملة لا يقصد الحصول على العملة أصلاً وإما مراده المضاربة بها، ولهذا فإنه يبيعها بعد لحظات من شرائه لها.


**عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.