الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد
عقد التأمين التجاري عقد غير جائز شرعا لما يشتمل عليه هذا العقد من الغرر والمقامرة والربا، وبهذا أفتت المجامع الفقهية المعتبرة في العالم العربي والإسلامي كما أفتى بذلك كثير من العلماء العدول ، ولم يخرج عن هذا الرأي إلا عدد قليل من العلماء نظروا إلى معنى العقد وما يحمله من تعاون وتناصر وتكافل ، ولم ينظروا إلى حقيقة هذا العقد والصور التي يتم بها وهي تخالف شروط وضوابط العقود في الفقه الإسلامي.

يقول فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور يوسف القرضاوى
</<B>
قبل الجواب نود أن نسأل عن طبيعة هذه الشركات ما هي؟ وما علاقة الفرد المؤمن له بالشركة المؤمنة؟
وبعبارة أخرى: هل يعتبر الشخص المؤمن له لدى مؤسسة التأمين شريكا لأصحابها؟
لو كانت كذلك لوجب أن يخضع كل مؤمن له فيه للربح والخسارة وفق تعاليم الإسلام.

وفي التأمين ضد الحوادث يدفع المؤمن له مقدارا من المال في العام فإذا قدر سلامة ما أمن عليه (متجر أو مصنع أو سفينة أو غير ذلك) فإن الشركة تستولي على المبلغ كله ولا يسترد شيئا منه. وإذا حلت به كارثة عوض بالمقدار المتفق عليه. وهذا أبعد ما يكون عن طبيعة التجارة والاشتراك التضامني.

وفي التأمين على الحياة إذا أمن بمبلغ 2000 ألفين من الجنيهات مثلا، ودفع أول قسط ثم اخترمته المنية، فإنه يستحق الألفين كاملة غير منقوصة. ولو كان شريكا في تجارة ما استحق غير قسطه وربحه.

ثم هو لو أخل بالتزامه نحو الشركة، وعجز عن سداد الأقساط -بعد دفع بعضها- لضاع عليه ما دفعه أو جزء كبير منه. وهذا أقل ما يقال فيه: إنه شرط فاسد.
ولا وزن لما يقال: إن الطرفين -المؤمن له والشركة- قد تراضيا، وهما أدرى بما يصلحهما، فإن آكل الربا ومؤكله متراضيان. ولاعبي الميسر متراضيان، ولكن لا عبرة بتراضيهما، ما دامت معاملتهما غير قائمة على أساس من العدالة الواضحة التي لا يشوبها غرر ولا تظالم، ولا غنم مضمون لأحد الطرفين غير مضمون للطرف الآخر. العدالة إذا هي الأساس ولا ضرر ولا ضرار.

هل هي مؤسسات تعاونية
</<B>وإذا لم يتضح لنا بوجه من الوجوه أن العلاقة بين المؤمن له والشركة علاقة الشريك بالشريك فماذا عسى أن تكون طبيعة العلاقة بينهما؟ هل هي علاقة تعاون؟ وهذه الجمعيات إذا مؤسسات تعاونية تقوم على مساهمة مجموعة من المتبرعين بمقادير من أموالهم يدفعونها بقصد المساعدة بعضهم لبعض؟
ولكن لكي يكون هناك تعاون سليم بين أي جماعة لتساعد أحد أفرادها إذا نزل به مكروه، يشترط فيما يجمع من مال لتحقيق هذه الغاية أمور:
</<B>
أن يدفع الفرد نصيبه المفروض عليه في ماله على وجه التبرع، قياما بحق الأخوة، ومن هذا المال المجموع تؤخذ المساعدات المطلوبة للمحتاجين.
</<B>إذا أريد استغلال هذا المال المدخر فبالوسائل المشروعة وحدها.

</<B> لا يجوز لفرد أن يتبرع بشيء ما على أساس أن يعوض بمبلغ معين إذا حل به حادث، ولكن يعطى من مال الجماعة بقدر ما يعوض خسارته أو بعضها، على حسب ما تسمح به حال الجماعة.

</<B> التبرع هبة والرجوع فيها حرام، فإذا حدث فليراع حكم الشرع في ذلك.

وهذه الشروط لا تنطبق إلا على ما تقوم به بعض النقابات والهيئات عندنا حيث يدفع الشخص اشتراكا شهريا على وجه التبرع، ليس له أن يسترده ويرجع فيه، ولا يشترط مبلغا معينا يمنحه عند حدوث ما يكره.

أما شركات التأمين وخاصة التأمين على الحياة فإن هذه الشروط لا تنطبق عليها بحال </<B>
فالأفراد المؤمن لهم لا يدفعون بقصد التبرع، ولا يخطر لهم هذا على بال.
وشركات التأمين جارية على استغلال أموالها في أعمال ربوية محرمة. ولا يجوز لمسلم أن يشترك في عمل ربوي. وهذا مما يتفق على منعه المتشددون والمترخصون.

يأخذ المؤمن له من الشركة -إذا انقضت المدة المشروطة- مجموع الأقساط التي دفعها، وفوقها مبلغ زائد، فهل هو إلا ربا؟!
كما أن من مناقضات التأمين لمعنى التعاون أن يعطي الغني القادر أكثر مما يعطي العاجز المحتاج؛ لأن القادر يؤمن بمبلغ أكبر فيعطي عند الوفاة أو الكارثة نصيبا أكثر. مع أن التعاون يقضي أن يعطى المحتاج أكثر من غيره.

ومن أراد الرجوع في عقده انتقص منه جزء كبير. وهو انتقاص لا مسوغ له في شرع الإسلام.

تعديلات
</<B>
على أني أرى أن عقد التأمين ضد الحوادث يمكن أن يعدل إلى صورة قريبة من المعاملات الإسلامية. وهو صورة عقد (التبرع بشرط العوض) فالمؤمن له متبرع بما يدفع من مال إلى الشركة على أن يعوض عند النوازل التي تنزل به بما يعينه ويخفف عنه بلواه. وهذه الصورة من التعامل جائزة في بعض المذاهب الإسلامية.
فلو عدل عقد التأمين إليها، وخلت معاملة الشركة من الربويات لاتجه القول بالجواز. أما التأمين على الحياة فصورته كما أرى تبعد كثيرا عن المعاملات في الإسلام.
ويمكن للسائل مراجعة هذه الفتاوى:
التأمين التجاري .. بين الحل والحرمة
الفرق بين التأمين التعاوني والتأمين التجاري
والله أعلم </<B>

العلامة الدكتور يوسف عبد الله القرضاوي