تجارة الجلود تنتعش بعيد الأضحى

القاهرة – ما إن ينتهِ المصريون من نحر الأضحية في العيد سواء في المنزل أو عند أحد الجزارين، حتى تظهر فئة من الشباب كل همهم هو جمع جلود الأضاحي توطئة لإرسالها للمدابغ التي تنتعش في هذا الوقت من العام، كما تلجأ بعض الجمعيات الأهلية أيضًا لجمع هذه الجلود التي يتبرع بها بعض الناس، وذلك لتمويل أنشطتها الخيرية.

وتنعش هذه العملية الموسمية صناعة الجلود في مصر، خاصة إذا علمنا أن عدد الأضاحي خلال موسم العيد تصل إلى 7 ملايين أضحية ما بين خراف وأبقار وجمال وجاموس، وهي تشكل 25% من إجمالي إنتاج مصر السنوي من الجلود الذي يصل إلى 120 مليون قدم، ويتم تصدير 50% من الإنتاج مدبوغًا إلى الخارج، وذلك وفقًا لدراسة أعدتها غرفة صناعة الجلود المصرية في عام 2004.

ورغم أن الجلود يتم في الغالب جمعها من خلال تجار مرتبطين بالمجازر المعتمدة، فإن هذه الطريقة تختلف في موسم عيد الأضحى، حيث يمارس أغلب المصريين ذبح الأضاحي في المنازل، مما يعطي الفرصة لانتعاش ظهور تجار موسميين لجمع جلود الأضاحي.

ياسر أبو الليف (35 عامًا) وهو أحد جامعي جلود الأضاحي في مدينة سوهاج جنوب مصر، يقول لشبكة “إسلام أون لاين.نت”: عيد الأضحى هو الفرصة التي نعمل فيها بهذه المهنة، حيث يتم الاتفاق مع عدد من الجزارين على توريد جلود الأضاحي التي يذبحونها أو مرافقتهم عند ذبح كل أضحية.

ويضيف قائلاً: إنه غالبًا ما نمشي خلف الجزار، وكلما انتهى من ذبح الأضحية نحصل منه على جلدها أولاً فأولاً، خاصة أن بعض البسطاء في الريف يفضلون منح الجلد، وبعض أحشاء الأضحية للجزار بدلاً من الأجر المادي، ثم يقوم بدوره ببيعها لنا.

ووفقًا للتاجر أبو الليف فجلد الضأن هو الأغلى سعرًا، حيث يصل ثمنه إلى حوالي 20 جنيهًا عند شرائه من الجزار، ويتم وضعه بالملح قبل بيعه للتاجر الرئيسي بحوالي 35 أو 40 جنيهًا حسب التفاوض، وتباع بعد ذلك هذه الجلود للمدابغ الصغيرة أو الورش الصغيرة في القاهرة أو الإسكندرية (شمال مصر) التي تقوم بتحويلها إلى جلود عادية تستخدم في صناعات جلدية عديدة. ويتضاعف متوسط ربح هذه التجارة إذا كان جامع الجلود يعمل لحسابه، بينما ينخفض إلى النصف إذا كان يعمل لصالح تاجر رئيسي.

أما أحمد محمود خريج كلية التجارة في المنصورة (شمال مصر)، فرغم أنه يعمل في إحدى الشركات، فإنه يجد في عيد الأضحى فرصة لكسب مبلغ وصل في العام الماضي إلى ثلاثة آلاف جنيه. ويعتزم محمود الذي لم يتجاوز الـ28 عامًا الاستفادة من هذا المبلغ لتوسيع انتشاره هذا العام في عدة قرى في المنصورة لجمع الجلود وتوريدها للتجار الرئيسيين.

تمويل الخير

ولا تقتصر الاستفادة من جمع الأضاحي على بعض الأفراد، بل تمتد للجمعيات الخيرية خاصة تلك التي تستقبل جلود الأضاحي من المتبرعين، ثم تقوم ببيعها لتمويل النشاطات الخيرية.

الجمعية الشرعية للعاملين بالكتاب والسنة هي من المؤسسات الأهلية المهتمة بهذا الأمر، ويقول محمود عبد الرحيم مدير فرعها بمنشأة دهشور بالجيزة (جنوب مصر): “إن الجمعية تجهز قبل العيد ملصقات لحث المواطنين على التبرع بجلود الأضاحي لإنفاقها على أوجه الخير المختلفة للجمعية، كما تقوم بتجهيز سيارة ومكبر صوت تجوب الشوارع لجمع الجلود، ثم يتم عمل مزاد لبيع كل ما تم جمعه، ويدخل لصالح ميزانية الجمعية التي ترعى 175 أمًّا معيلة وأكثر من 300 طفل يتيم”.

غير أن مؤسسات أخرى كجمعية مصطفى محمود في المهندسين بالقاهرة تقوم بتوزيع ما يصلها من جلود أضاحي على جمعيات صغيرة بالقاهرة لتمويل نشاطها الخيري، ويقول منير نور الدين المشرف على الأضاحي بالجمعية إنه يصلهم عدد ضخم من تبرعات الأضاحي، حيث تنفق الجمعية على نحو 35 ألف أسرة تحتاج لمساعدات مستمرة خاصة في مثل هذه المناسبات، لكن الجمعية لا تمتلك الوقت الكافي والعدد اللازم للتعامل مع جلود الأضاحي التي تشكل عبئًا عليها لا يخففه سوى العاملين بالجمعيات الخيرية الفرعية الصغيرة الذين يتلقفون هذه الجلود بفارغ الصبر.

30 مليون دولار

من جانبه، يرى المهندس ممدوح ثابت مكي رئيس غرفة دباغة الجلود في مصر أن موسم عيد الأضحى يمثل انتعاشة لصناعة الجلود، حيث تضخ جلود الأضاحي ما قيمته 30 مليون دولار سنويًّا، أي أنها تمثل حوالي ثلث قيمة الإنتاج السنوي المصري من الجلود والبالغ 120 مليون دولار.

ويقول مكي: إن صناعة الجلود من الصناعات كثيفة العمالة، حيث تقوم أساسًا على العنصر البشري وتتفرع منها مهن عديدة، مما يضعها في مقدمة القطاعات الهامة في مصر التي يلزم تطويرها وفتح آفاق جديدة للعاملين بها.

وحسب دراسة غرفة صناعة الجلود فإن الاستثمارات بقطاع الجلود تصل إلى حوالي 5 مليارات جنيه ويعمل بها 250 ألف عامل وتضم 3500 ورشة إنتاجية و50 مصنع أحذية و150 مصنعًا وورشة منتجات جلدية، و20 مصنع نعال وأكثر من 100 وحدة صغيرة إلى جانب 300 مدبغة جلود و15 ورشة قوالب خشبية، فضلاً عن مصانع المواد اللاصقة والمكملة.

غير أن العاملين بهذه الصناعة يواجهون حاليًّا أزمة كبيرة، حيث من المنتظر نقلهم خلال عامين من معقل أعمالهم بحي عين الصيرة بمصر القديمة إلى خارج القاهرة؛ بسبب مرور سور مجرى العيون الذي يُعَدّ أهم الآثار الإسلامية في القاهرة الفاطمية في الحي الذي يتمركزون فيه، إضافة لما تحدثه صناعة الجلود من تلوث بيئي.

ويقول ممدوح مكي بأن هناك مشروعًا طموحًا لتطوير ونقل المدابغ إلى خارج القاهرة بمنحة إيطالية، وتم مؤخرًا توقيع عقد المشروع على أن تنتهي عملية النقل خلال عامين، حيث يتكلف المشروع 72.84 مليون دولار، مؤكدًا أن الحكومة تدعم هذا المشروع من خلال تخصيص مساحة 530 فدانًا بمنطقة “الروبيكي” في مدينة بدر، وبيعها بسعر رمزي قدره 30 جنيهًا للمتر المسطح لمن يرغب من أصحاب المدابغ وصناع الجلود في ملكية الأرض.

وفي إطار نفس المشروع، سيتم تخصيص مساحة 1112 فدانًا لإقامة محطة معالجة الصرف الصحي والصناعي والغابة الخشبية الملحقة بالمشروع، هذا بالإضافة إلى توصيل المرافق للمشروع كما تساهم الحكومة ممثلة في محافظة القاهرة بنصف قيمة أرض المدابغ الحالية بمصر القديمة.

وأكد أن وزارة التجارة والصناعة تعهدت المساهمة بحوالي 35 مليون جنيه لإنشاء وتجهيز مركز تكنولوجيا لتطوير صناعة الجلود بالمشروع عبر توفير أحدث التكنولوجيات المطلوبة لتحديث هذه الصناعة المهمة بما يسهم في زيادة الصادرات الجلدية المصرية للأسواق العالمية *.

حمدي الحسيني


لمعرفة مراحل دبغ الجلود ومستلزماتها الصناعية يمكن الاطلاع على تجربة صناعة الجلود في المملكة العربية السعودية