بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد..

ابتداء لا يجوز تجميد نطف الزوج ولا بويضات المرأة وكذلك الأجنة لا يجوز تجميدها؛ بعد انتهاء عملية التلقيح الصناعي احترازا عن اختلاط هذه الأشياء مما يسبب شيوع الفوضى واختلاط الأنساب.

ولكن لو حدث أن كان هناك حيوانات منوية أو بويضات أو أجنة مجمدة وكانت الحياة الزوجية قائمة مستقرة، وتأكد الجميع من عدم الاختلاط وحدث تخصيب فإن الطفل ينسب لوالده، على أن يلاحظ أن الشيء قد يكون أصله حراما ومرتكبه آثم ، أما من ناحية ثبوت النسب فيكتفى بوجود علاقة زوجية مستقرة، وضمان شديد لعدم الاختلاط، على أن فقهاء العصر يميلون إلى التخلص من هذه الأجنة ضمانا لعدم التلاعب.

يقول فضيلة الشيخ سعد الشويرخ ـ عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية:

لابد من توفر الضوابط الشرعية لإجراء عملية طفل الأنابيب ، وذلك بأن تجرى تحت أيدي الأطباء العدول الثقات، وضمن إجراءات طبية مشددة تمنع اختلاط النطف، وتكون بين الزوجين في أثناء الحياة الزوجية فإن هذه العملية جائزة.

ومن الشروط الاقتصار على محل الضرورة، وذلك بأن تستخدم هذه البويضات وهذه النطف في إجراء هذه العملية، والقاعدة: أن ما جاز لعذر يبطل بزوال هذا العذر، كما أن تجميد هذه النطف سواء كانت بويضات أو حيوانات منوية، أو بويضة ملقحة لا يجوز، لأن ذلك يؤدي إلى اختلاطها بغيرها مع الوقت، ولأنه لا توجد أي رقابة مشددة على هذه المراكز، وقد تختلط بغيرها إما على سبيل الخطأ وإما على سبيل العمد، ولأنه قد ثبت في حوادث متكررة حصول اختلاط هذه النطف بغيرها، وما ذكرته السائلة من وجود الحاجة الملحة إلى ذلك، يجاب عنه: أن الضرر المترتب على تجميد هذه النطف أعظم من الضرر المترتب على عدم التجميد، فيقدم الضرر الأعلى وذلك بإتلافها.

والواجب بعد الانتهاء من هذه العملية إتلاف ما زاد على ذلك، ولا يجوز الاحتفاظ بشيء منها بعد ذلك، وعلى هذا خرجت فتوى مجمع الفقه الإسلامي، وكذلك المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية وغيرها من الفتاوى.

وهذا القول هو الذي دلت عليه الأدلة، ومن ذلك قاعدة سد الذرائع، حيث يترتب على تجميد هذه النطف مفاسد عظيمة فتدرأ هذه المفاسد بمنع تجميدها، وكذلك الأصل أن هذه العملية جائزة للضرورة، والضرورة تقدر بقدرها، والأمر الآخر: أن الاحتفاظ بها يؤدي إلى اختلاطها بغيرها، إما على سبيل الخطأ أو العكس.أ.هـ

ويقول فضيلة الدكتور الشيخ يوسف القرضاوي:

قضية الأجنة المفروض أن تتم في أضيق نطاق ممكن وحسب ما تقتضيه الضرورة دون زيادة عن الحاجة وما زاد عن الضرورة أو الحاجة فلا بأس بتجميده إذا كان بالإمكان الاستفادة به مستقبلا أو يتم التخلص منه وهذا هو الأوفق حتى لا توجد شبهة التلاعب أو الاتجار بهذا المني المجمد.أهـ

ويقول فضيلة الشيخ عطية صقر ـ رئيس لجنة الفتوى بالأزهر سابقا:

أولا: ما دامت الزوجية قائمةً فلا مانع من وضع البويضة المُلَقَّحة من ماء زوجها في رحمها وهي صاحبة البويضة، ويكون الجنين الذي حملته ووضعته منسوبًا شرعًا إلى الزوج والزوجة وهذه الصورة هي من صور التلقيح الصناعي الذي يتم فيه التلقيح بين الماء والبويضة خارج الرحم، ثم تُعاد البويضة إلى الزوجة صاحبتها، وذلك مشروع لا مانع منه مع اتخاذ الاحتياطات اللازمة.

ثانيا: إذا تُوفي الزوج انقطعت العَلاقة الزوجية من الناحية الجنسية بالذات بينه وبين زوجته، ووضع هذه البويضة المُلَقَّحة في رحمها أصبح وضْعًا لشيء غريب مُنْفصل عنها، فالمرأة صارت غريبةً عنه، ولذلك يحلُّ لها أن تتزوج من غيره بعد الانتهاء من العدة المضروبة لوفاة الزَّوج، وهي قبل انتهاء العدة أشبه بالمطلَّقة طلاقاً بائنًا، حيث لا يجوز أن تكون بينهما معاشرة زوجيَّة تُعْتَبر رجعة بالفعل في بعض المذاهب الفقهية، بل لا بد أن يكون ذلك بعَقْد جديد، وهو في هذه الصورة غير ممكن لوفاة الزوج، فلو وَضَعت المرأة – بعد وفاة الرجل بويضتها المُلَقَّحة منه قبل وفاته في رَحِمِها وحملت وولدت كان الولد غير منسوب إليه كولد الزِّنا، وإنما يُنْسب إليها هي، مع حُرْمَة هذه العملية.

إن تمَّ التَّلْقِيح بعد انقضاء عِدَّة المرأة من وفاة زوجها، كان ذلك حرامًا بالاتفاق؛ لأنه صار أجنبيًا حيث يجوز لها الزواج، أما إن تمَّ قبل تمام العِدة فأرى أنَّها كالمُطَلَّقة طلاقًا بائنًا حيث لا يُمْكُنها الرجوع إلى زوْجها، وبالتالي لا يجوز هذا التَّلْقيح .

ولو فُرِضَ أنه حَدَثَ يكون الولد ولدَ زني يُنْسَب إليها ولا يُنْسَب لصاحب النُّطفة، حيث لا يُوجد فِراش عند الوِلادة، ولا يُمكن اسْتِلْحَاقه من المَيت . هذا هو رأيي الشخصي، الذي لا أجْزِم بصحته فهو مُحْتَمِلٌ للخطأ .

والله أعلم.
مجموعة من المفتين