بسم الله،والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعدهذا الذي قاله العالم رأي لبعض الفقهاء، وليس كل ما قالهالفقهاء صحيحًا مائة في المائة، بل هم مجتهدون يخطئون ويصيبون، فمن أصاب فله أجران،ومن أخطأ فله أجر واحد، وقد قال الإمام مالك: ” كل أحد يؤخذ من كلامه ويترك إلاالنبي صلى الله عليه وسلم .
ولهذا نرى الحق مع الرأيالآخر الذي يكل إلى المرأة خدمة زوجها في مصالح البيت، وأدلتنا على ذلك ما يلي:أولا:يقول الله تعالى فيشأن الزوجات: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ) البقرة : 228 . وخدمة المرأة لزوجها هو المعروف عندمن خاطبهم الله تعالى بكلامه، أما ترفيه المرأة وقيام الرجل بالخدمة – الكنس والطحنوالعجن والخبز والغسل . . . . إلخ – فهذا ليس من المعروف . وبخاصة أن الرجل يعملويكدح خارج البيت . فمن العدل أن تعمل المرأة داخله.
ثانيًا:إن كل حق يقابلهواجب، فقد أوجب الله تعالى للزوجة على الزوج حق النفقة والكسوة والسكنى – فضلاً عنالمهر – ومن البديهي أن يلقى عليها لقاء ذلك من الأعمال ما يكافئ هذه الحقوق، أماقول الآخرين: إن المهر والنفقة وجبا في مقابل استمتاع الرجل، فيرده أن الاستمتاعأمر مشترك بينهما.

ثالثًا: يقول ابن القيم في الهدى: إن العقود المطلقة إنماتنزل على العرف، والعرف خدمة المرأة وقيامها بمصالح البيت الداخلة، ويقول أيضًا:قال الله تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء)  النساء : 34 .وإذا لم تخدمه المرأة – بل كان هوالخادم لها – فهي القوَّامة عليه.
رابعًا:المروي عن نساءالصحابة أنهن كن يقمن بخدمة أزواجهن ومصالح بيوتهن، صح عن أسماء بنت أبي بكر أنهاقالت: كنت أخدم الزبير (زوجها) خدمة البيت كله، وكان له فرس فكنت أسوسه وأحش لهوأقوم عليه، وصح عنها أنها كانت تعلف فرسه وتسقي الماء وتخرز الدلو وتعجن وتنقلالنوى على رأسها من أرض له على ثلثي فرسخ.
وفاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين، كانت تخدم عليًا وتقومبشئون بيته من طحن وعجن وخبز، وتدير الرحى، حتى أثرت في يديها، وقد ذهبت إلى النبيهي وزوجها يشكوان إليه الخدمة، فحكم على فاطمة بالخدمة الباطنة: خدمة البيت، وحكمعلى علي بالخدمة الظاهرة، قال ابن حبيب: الخدمة الباطنة: الطحن والطبخ والفرش وكنسالبيت واستقاء الماء وعمل البيت كله.
وأصحاب الرأي الثاني:يقولون هذهالأحاديث تدل على التطوع ومكارم الأخلاق لا على الوجوب . وإن خدمة فاطمة وأسماء رضيالله عنهما كانت تبرعًا وإحسانًا، ونسوا أن فاطمة شكت إلى الرسول ما تلقى منالخدمة، وأن النبي لم يقبل شكواها، ولم يقل لعلي لا خدمة عليها، وإنما الخدمة عليك،وهو عليه الصلاة والسلام لا يحابي في الحكم أحدًا، فقوله وعمله وتقريره شرع لنا،وقد رأى أسماء والعلف على رأسها والزبير معه فلم يقل له: لا خدمة عليها، وأن هذاظلم، بل أقره على استخدامها، وأقر سائر أصحابه على استخدام زوجاتهم، مع علمه بأنمنهن الكارهة والراضية، وهذا مما لا ريب فيه.
بهذا يتضح الحق، ويتبين الصواب في هذه المسألة، والمنصف من عرفالرجال بالحق ولم يعرف الحق بالرجال.
ولا يفوتني أن أقول:إن هذه القضية محلولة بنفسها، فالمرأة المسلمة حقًا تقوم بخدمة زوجها وبيتها بحكمالفطرة، وبمقتضى التقاليد التي توارثها المجتمع الإسلامي جيلاً بعد جيل والمرأةالمتمردة أو الشرسة لا تنظر رأي الدين، ولا يهمها قول أحد من الفقهاء لها أو عليها.
والله أعلم

العلامة الدكتور يوسف عبد الله القرضاوي