الأخت السائلة، مرحبًا بك وبرسالتك التي وصلت مشاكل وحلول بتاريخ 20 إبريل 2004، وأرسلها مسئول الصفحة لي بتاريخ 21 إبريل 2004، وهذا أنا أكتب الرد عليك في اليوم التالي، وإن شاء الله أرسلها اليوم أيضًا.

أحببت أن أقول لك ذلك لأنك بدأت إفادتك بأن تمنيت من كل قلبك أن نهتم برسالتك، مع أننا نهتم بكل رسائل زوار صفحتنا، بل إننا نحتفي بها ونفعل ذلك بسعادة وحب، فنحن نعينهم على مواجهة مشكلاتهم النفسية والاجتماعية، والله معنا يعيننا ويقوينا.

لكن المشكلة التي أستطيع استنباطها من ذلك هو أن شعورًا لديك قد يكون شعورًا واعيًا، وقد يكون دفينًا بأن أحدًا لا يهتم بمعاناتك، وهذا شعور أرجو (إن كان موجودًا لديك) أن يكون مرتبطًا فقط بمعاناتك الأخيرة مع الأفكار التسلطية (أو الوساوس)، فأنا أعرف أن من الناس المحيطين بك كثيرون لا يدركون معاناتك، ولعلهم لذلك نقلوا لك الشعور بعدم اهتمامهم، ولكن عذرهم أنهم لا يستوعبون ما تعانين منه؛ لأنهم لا يفهمون ما هي الأفكار التسلطية، ويرجعون الوساوس كلها إلى الشيطان الرجيم، خاصة عندما تكون هذه الأفكار التسلطية من نوع الأفكار التجديفية (أي التي تحمل تجرؤًا على المقدسات أو المعاني السامية أو الأشخاص الذين يحترمهم المريض) الدينية، أو التشكيكية الدينية.

ومن الواضح من إفادتك أن الأفكار التسلطية لديك بدأت أولاً بفكرة أو عدة أفكار اقتحمت عليك وعيك في نهاية رمضان الماضي، كما ذكرت في إفادتك وأدخلت التشكيك في الأمور الدينية الغيبية في وعيك، ولم تكف استعاذتك بالله من الشيطان الرجيم في إبعادها؛ لأنها لم تكن من فعل الشيطان، وإنما كانت البدايات الأولى لاضطراب الوسواس القهري.

بعد ذلك بدأت أنتِ في محاولة مقاومة تلك الأفكار؛ لأنك ترفضينها وتكرهينها بكل ما أوتيت من قدرة ومن مشاعر، لكنها كما هو الحال مع الأفكار التسلطية بوجه عام أخذت تزيد وتتكاثر كلما قاومتها، وهذا هو طبع الأفكار التسلطية الاجترارية، ووصل الأمر بها بعد ذلك إلى أن أصبحت أفكارًا تجديفية فيها تجرؤ على المولى عز وجل!

وكل ذلك أيضًا تطور يعرفه كثيرون من مرضى اضطراب الوسواس القهري، ولا يحاسب الله المريض على ذلك؛ لأن الله يحاسب المكلفين على أفعالهم الإرادية، أي التي يملكون فعلها أو عدم فعلها، وهذا مختلف عن حال المريض.

وأما ما يزيدكِ عذابًا على عذاب فهو يقينك المؤلم بأن هذه الأفكار أفكارك ومن فعلك، وأنت هنا تملكين من البصيرة ما أحييك عليه، ومن القدرة على الوصف والصدق فيه ما أحييك عليه أيضًا، فهكذا يشعر المريض باضطراب الوسواس القهري، ولكنه نادرًا في مجتمعاتنا ما يملك من الشجاعة والصدق أن يقول ذلك، رغم أن هذه هي معاناته، ولعل هذا اليقين المؤلم لديك هو ما يجعلني أؤكد أن ما تعانين منه هو اضطراب الوسواس القهري بحذافيره! أي أنك حالة نموذجية! ولذلك فإن شفاءك أكيد بفضل الله -عز وجل- كما ستعرفين بعد الاستمرار على العلاج.

إلا أن الأمر لديك يأخذ في بعض الأحيان شكلاً فيه إسراف وتضخيم لقدر المسئولية الواقعة عليك، وأنت هنا تظلمين نفسك، وتزيدينها اكتئابًا بغير وجه حق، ففي إفادتك عدة إشارات إلى ذلك:
الإشارة الأولى: في قولك “ومع مرور الوقت أصبحت أحدث نفسي فيها بشكل دائم فازدادت وتوالدت”، فليس ما حدث هو أنك كنت تحدثين نفسك فيها، بل الأفكار التسلطية نفسها كانت تتسلط على نفسك ولم تكوني تستطيعين منها خلاصًا لأنها أفكار تسلطية تتسلط على المريض رغم رفضه الكامل لها، قد يكون ما حدث منك هو أنك كنت أثناء مقاومتك لها تحاولين نفيها بالمنطق، من خلال تحليلها وإثبات أنها غير صحيحة أو أن هناك ما يخالفها، ولكن هذا الجهد مع الأسف عادة ما يتسبب في زيادتها، المهم هو أن تدركي جيدًا أنها كلما رحت تبذلين الجهد في دحضها أو محاولة طردها من وعيك ازدادت تسلطا على وعيك المسكين! ولست مسئولة عن ذلك؛ لأنه بالضبط هو ما يقع فيه كل مريض مثلك.

الإشارة الثانية: في قولك “حتى وصلت لدرجة الشتم والسخرية من الدين؛ وهو ما جعلني أحس بأني أبتسم بسبب هذه الأفكار فأنظر في المرآة أجد نفسي غير مبتسمة”، إذن فأنت اتهمت نفسك بأنك تسخرين من الدين، بل وتبتسمين بسبب ذلك، ثم لأنك ترفضين مثل هذا الفعل الذي لا يصدر عن مثلك فقد كنت تنظرين في المرآة لكي تعرفي إن كنت تبتسمين أم لا!!

والحمد لله أنك كنت تجدين نفسك غير مبتسمة! فهل يحتاج الإنسان إلى النظر في المرآة ليعرف إن كان يبتسم أو لا؟ بالطبع لا حاجة بالإنسان لذلك، ولكن فعل النظر إلى المرآة على أغلب الظن كان فعلاً قهريا تسبقه فكرة تسلطية تحمل اتهامًا لك بأنك تبتسمين بعد السخرية من دينك، ثم تقومين أنت بالرد عليها بأنك لا يمكن أن يصدر هذا عنك، فتقتحم وعيك فكرة تسلطية أخرى تشككك في نفسك، فتضطرين إلى الفعل القهري وهو النظر إلى المرآة لتتحققي من أنك لا تبتسمين.

الإشارة الثالثة: وهي قولك “أنا أكره نفسي كثيرا؛ لأنها تمادت على خالقها”، وذلك بعد أن قررت أنها أفكارك، ولكنك لا تستطيعين وقفها، فأنت هنا تحملين نفسك مسئولية أفكارك لمجرد أنها أفكارك! وتهملين عدم قدرتك على وقفها، وكأن عجزك عن منعها لا يعفيك من المسئولية أمام نفسك! وهذا ظلم منك لنفسك أتمنى أن يعينك الله سبحانه وتعالى على الكف عنه! نحن مسئولون كما قلت من قبل عن أفعالنا الإرادية وليس عن كل ما هو خارج حدود إرادتنا، ونفسك لم تتطاول على خالقها، وإنما هكذا تكون الأفكار التجديفية التسلطية التي هي غير إرادية تمامًا!

ونصل إلى الجزء الأخير من إفادتك فقد وفقك الله سبحانه وتعالى وعرضت نفسك بالفعل على طبيب نفسي شخّص حالتك بأنها وسواس قهري، ووصف لك العلاج، وكان ذلك منذ شهرين، ولم تشعري كما قلت في إفادتك بتحسن كبير، معنى ذلك أن تحسنًا ولنقل ضئيلاً حدث والحمد لله، ولكن هل أنت مستمرة على العلاج أم لا؟ لم توضحي لنا، وأتمنى أن تواظبي عليه؛ لأن الصبر على علاج الوسواس القهري ضروري.

وعليك أن تقرئي الإجابات السابقة التالية على صفحة مشاكل وحلول للشباب؛ ففيها كل شيء عن اضطراب الوسواس القهري وعلاجه، وأحاديث سيد الخلق صلى الله عليه وسلم في أمر الوسواس، سواءً ما يتعلق بالشيطان أو غير الشيطان:
الماس والماسا واحتمال الخطأ
(ماس) و(ماسا).. هل “يخربطوا” الدماغ
الوسواس القهرى : أنواعه وأعراضه وحكمه الشرعى
الوسواس القهري.. ” الموت ” فقط
الصبر على الماس يمحو الوسواس
وسواس القولون عند المسلمين
الخناس واللاخناس.. أنواع الوسواس
التفكير السحري عند الموسوسين

وبعد أن تقرئي هذه الردود عليك أن تطمئني إلى أن بداية شعورك بالتحسن هي البشرى بإذن الله، وأن الباقي هو المواظبة على العقار الذي تتناولينه، فإن أكملت ثلاثة شهور وكانت ما تزال بعض الأفكار فإن طبيبك النفسي سيزيد لك جرعة العقار، وإن شاء الله تزول كل معاناتك، وتابعينا بأخبارك.

للمشاركة برأيك:
[email protected]