الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
جاء الإسلام يحارب نزعة التقشف المتزمتة التي عرفت بها بعض الأديان والنحل، ودعا إلى التزين والتجمل في توازن واعتدال، منكرا على الذين يحرمون زينة الله التي أخرج لعباده. لهذا جعل أخذ الزينة من مقدمات الصلاة:
(خذوا زينتكم عند كل مسجد) سورة الأعراف:21.

وإذا كان الإسلام شرع التجمل للرجال والنساء جميعًا فإنه قد راعى فطرة المرأة وأنوثتها فأباح لها من الزينة ما حرم على الرجل من لبس الحرير والتحلي بالذهب.
ولكن الإسلام حرم بعض أشكال الزينة التي فيها خروج على الفطرة، وتغيير لخلق الله الذي هو من وسائل الشيطان في إغوائه للناس (ولآمرنهم فليغيرن خلق الله).
وفي هذا صح عن النبي صلى الله عليه وسلم لعن الواشمة والمستوشمة، والواشرة والمستوشرة، والنامصة والمتنمصة، والواصلة والمستوصلة، والأحاديث في ذلك صحيحة مشهورة لا مطعن فيها.

والوشم معروف من قديم، وهو النقش – عن طريق الوخز – باللون الأزرق.
والوشر هو تحديد الأسنان، وتقصيرها بالمبرد.
والنمص هو إزالة شعر الحاجبين لترفيعهما أو تسويتهما أو نحو ذلك.

والوصل . المراد به: وصل الشعر بشعر آخر طبيعي أو صناعي كالباروكة التي يسأل عنها السائل.
وكل هذه الأمور محرمة ملعون من فعلها أو طلبها على لسان محمد صلى الله عليه وسلم.

وبهذا نعلم حكم ما يسمى ” الباروكة ” وما شابهها، وادعاء أنها مجرد غطاء للرأس كذب وتضليل يخالف الواقع، فأغطية الرأس معلومة بالعقل والعرف، وإنما هذه زينة وحلية أكثر من الشعر الطبيعي نفسه، مع ما فيها من الغش والتزوير من ناحية، والإسراف والتبذير من ناحية ثانية، والتبرج والإغراء من ناحية ثالثة . وكل هذه مؤكدات للتحريم.

روى سعيد بن المسيب قال: قدم معاوية المدينة آخر قدمة قدمها، فخطبنا فأخرج كبة من شعر (أي قصة – كما في رواية أخرى) قال: ما كنت أرى أحدًا يفعل هذا غير اليهود . . . إن النبي صلى الله عليه وسلم سماه ” الزور ” يعني الواصلة في الشعر.

وفي رواية أنه قال لأهل المدينة: ” أين علماؤكم ؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهي عن مثل هذه ” ويقول:
” إنما هلكت بنو إسرائيل حين اتخذ هذه نساؤهم ” . رواه البخاري.

وهذا الحديث نبهنا على أمرين:
الأول: أن اليهود هم مصدر هذه الرذيلة وأساسها من قبل، كما كانوا مروجيها من بعد . فتش عن اليهود وراء كل فساد.
الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم سمى هذا العمل ” زورًا ” ليشير إلى حكمة تحريمه فهو ضرب من الغش والتزييف والتمويه، والإسلام يكره الغش، ويبرأ من الغاش في كل معاملة مادية أو معنوية . ” من غش فليس منا ” مع ما ذكرنا من الحكم الأخرى.

إن لبس هذه الباروكة حرام، ولو كان في البيت، لأن الواصلة ملعونة أبدًا، فإذا كان في الخارج وليس على رأسها غطاء فهو أشد حرمة لما فيه من المخالفة الصريحة لقوله تعالى: (وليضربن بخمرهن على جيوبهن) ولا يزعم أحد أن ” الباروكة ” خمار . وإذا كان هذا حرامًا على المرأة فهو على الرجل أشد حرمة من باب أولى.
ويرى فضيلة الشيخ عطية صقر رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر أن الأمر فيه خلاف ويرى بعض الفقهاء أنه يجوز للمرأة أن تلبس الباروكة إذا كانت من شعر صناعي طاهر لزوجها فقط وهذا بعد علمه وإذنه حتى لايكون هناك غش أو تدليس على الزوج ،أما الخروج بهذه الباروكة دون أن تغطيها المرأة ليراها الأجانب عنها فهذا لاخلاف في حرمته وإليك نص فتواه

الشعر المُستعار ” الباروكة ” ورد فيه أن امرأة قالت للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : إن لي ابنة عُرَيِّسًا ـ تصغير عروس ـ أصابتها حصبة فتمزَّق شعرُها، أفأصِلُه ؟ فقال ” لعنَ الله الواصلة والمُستوصِلة ” رواه ومسلم .
وبعد كلام العلماء في شرح هذا الحديث وما يماثله نرى أن التحريم مبنى على الغِش والتدليس، وهو ما يُفهم من السبب الذي لُعنتْ به الواصلة والمُستوصِلة، ومبنيٌّ أيضا على الفتنة والإغراء لجذب انتباه الرجال الأجانب. وهو ما أشارت إليه بعض الأحاديث بأنه كان سببًا في هلاك بني إسرائيل حين اتّخذه نساؤهم. وكن يَغْشَيْنَ بزينتِهِنَّ المجتمعاتِ العامّة والمعابد كما رواه الطبراني .
هذا ، وجاء في كتب الفقهاء : أنَّ لبس الشعر المستعار حرام مطلقًا عند مالك ، وحرام عند الشافعيّة إن كان من شعر الآدمي، أو شعر حيوان نجِس، أما الطاهر كشعر الغنم وكالخيوط الصناعيّة فهو جائز إذا كان بإذن الزوج، وأجاز بعضهم لبس الشعر الطبيعي بشرطين: عدم التدليس وعدم الإغراء، وذلك إذا كان بعلم الزوج وإذنه، وعدم استعماله لغيره هو.
والله أعلم