الأخت الفاضلة :
أعانك الله على تربية أبناءك في غربتك على ما يحبه الله ويرضاه، ومرحبا بك زائرة غالية لصفحتنا، التي نتمنى أن نقدم لك من خلالها ما يعينك على مسئوليتك على أكمل وجه.الشيء الأول الذي لا يجب إغفاله إلى جانب ضرورة التأكيد على أهميته –أختي الغالية- هو أن نكون معتدلين ومتوازنين كمسلمين أولاً وكمربين ثانيًا. فالمسرح والموسيقى ليسا من المحرمات بشكل مطلق لذواتهما، بل إن حلالهما حلال وحرامهما حرام.. أي أن العبرة في الحرمة والحل بالنسبة لهما تعود بشكل أساسي إلى ما يقدم من خلالهما، فهما من وسائل العرض للأفكار والرؤى المختلفة، فإن كان ما يقدم من خلالهما هادفًا وذا قيمة فلا بأس.. (ويمكنك الرجوع إلى فتاوى وردت على موقع “إسلام أون لاين.نت” حول هذا الأمر بالنقر على العنوانين التاليين):
استخدام المُوسيقى في وسائل الإعلام
الموسيقى والغناءوأقدِّم لك أختي الغالية في السطور التالية وجهة نظري الشخصية حول موضوع سؤالك، والمبني على التجربة الشخصية لي، ولمن حولي ممن أعرف من الأسر المسلمة التي تشاركني كما تشاركك نفس الظروف من الحياة بعيدًا عن أرض الوطن، وما يصاحب ذلك من تحديات الحفاظ على هوية الأبناء وإحسان تربيتهم في الغربة بعيدًا عن ذوينا ومجتمعاتنا.

وقد لمسنا –أختي الغالية- صعوبة فصل أبنائنا عن المجتمع المحيط بهم ومنعهم من التأثير والتأثر به وفيه، وقد برز لنا أن الدور الحقيقي لنا كآباء وأمهات إزاء هذا الأمر هو بناء جسر قوي من التواصل مع الأبناء وتقوية العلاقة بهم؛ لتوجيه هذا التأثير والتأثر بدلاً من منعه الذي لن يجدي.

فلا بد من مناقشتهم وحوارهم حول كل ما يتعرضون له.. كل ما يستمعون إليه.. كل ما يرسخ في نفوسهم من جرّاء هذا التأثر، بل كل ما لديهم من انطباعات وانفعالات مع ما يدور حولهم.. نناقشهم ماذا استوعبوا مما يدور حولهم من أحداث، وما هي أفكارهم حول هذه الأحداث، ورؤاهم الشخصية، وتقييمهم ونقدهم لمجتمعهم المحيط، ثم نعرض لهم رؤانا، مع إبداء احترامنا وتقييمنا لكل ما أبدوه من تفاعل إزاء هذا المجتمع المحيط بهم.

بهذه الطريقة يمكن أن نبث أبناءنا بشكل غير مباشر القدرة على الاختيار باجتيازهم لتجربة التفاعل مع ما يحيط بهم، بحيث يكون هذا التفاعل بعين الناقد الخبير الذي يقيم ويزن كل ما حوله بميزان واحد لكنه مرن.. ميزان مبادئه الراسخة ودستوره الواضح من القرآن الكريم والسنة، فلو أنكرنا حقهم في التجربة أو حجبنا عنهم هذا الحق، فإن مردود ذلك ببساطة هو التمرد والثورة –حتى وإن لم يبدوا لنا ذلك- على الإسلام نفسه.

إن من العبث أن نعتقد في إمكانية أو جدوى ضرب سياج حول أطفالنا يمنعهم عن التفاعل والاختلاط بالمجتمع الذي يعيشون فيه، ذلك السياج الذي حاصرناهم به ونحاول فصلهم به عن الحياة والمجتمع من حولهم، وعن أقرانهم الذين يتمتعون بحقوقهم في التجربة والاختيار بدون أية قيود، وسيبدو ذلك جليًّا بشكل أكثر في مرحلة المراهقة والنضج حينما تفتقدين السيطرة والتحكم في اختياراتهم التي هي حقهم الطبيعي، وسيكون اختيارهم للتجربة واقعًا لا بد من وقوعه حتى لو كان ذلك بدون علمك.

ونصيحتي لك أيتها الأم الفاضلة أن تندمجي مع مجتمع أبنائك في المدرسة، وأن تزيدي من التداخل مع أسرة معلميه وزملائه، فضلاً عن متابعة فعاليات الأنشطة المدرسية المختلفة؛ لتتعرفي على ما يقدم لأبنائك، فيصبح بإمكانك مناقشة آرائك حولها بشكل مثمر، بالإضافة إلى إمكانية عرض رؤيتك لمخطِّطي هذه الأنشطة لإمكانية تضمين بعض ما تطمحين إلى غرسه في أطفالك من خلال هذه الأنشطة، بل يمكنك أن تحاولي مشاركة الأبناء رحلاتهم ونشاطاتهم المختلفة لتكوني أكثر قربًا منهم، ولتكون مناقشاتك وتقييمك لهذه النشاطات من زاوية أكثر قربًا وواقعية، بل يمكنك المساهمة والتطوع في بعض إعداد بعض هذه الأنشطة سواء بالأفكار (مثلاً: عرض عن رمضان والعيد والمناسبات الإسلامية المختلفة حينما يكون موضوع النشاط هو المناسبات المختلفة، وهكذا…)، أو المساعدة في الإعداد الفعلي لهذه الأنشطة، مثل المعاونة في إعداد ملابس هذه الأنشطة، أو إعداد المكان، أو حتى تدريب الأطفال على فقرات الحفل إن كان لديك المقدرة على ذلك، وسمحت بذلك إدارة المدرسة، وأظن أن تقربك من العاملين في المدرسة، ومحاولتك المستمرة في التفاعل معهم سيكون لها أكبر الأثر في زيادة مساحة مشاركتك فيما يعرض بالمدرسة -كما أوضحت لك سالفًا-.

أختي الحبيبة.. لا أريد أن أختم رسالتي لك دون أن أهمس لك بتلك الكلمات التي أتمنى أن تكون دستورًا في تربية أطفالك، وهي عن تجربة، بل خلاصة تجربة وحصيلة جيل بأكمله:
– شجِّعي أبناءك أن يسألوا عن كل ما يطوف بذهنهم من أسئلة، واستمعي لآرائهم من منطلق تأكدك من استحالة الانعزال والاختلاف خاصة كلما كبر الأولاد.
– تأكدي أنك ستبذلين جهدًا لبلورة تصور أبنائك حول الإسلام في غربتهم تلك، ولتفادي استفزاز شعورهم بكونه مجموعة من المحرمات والقيود قومي باختيار موضوعات لمناقشة أبنائك حول الإسلام فيما هو مختلف فيه، وفيه مساحات من المرونة والسعة؛ مؤكدة لهم على ما يحفل به هذا الدين من حرية، ورحمة، ومباحات، وعدل، وتعدد الصحيح، ودعوة لمعالي الأمور.. ولتكن أوامرك لهم في نطاق ما لا خلاف فيه مثل: الصلاة، والصوم… إلخ.

– أسأل الله لك الرشاد، ورزقك الله الحكمة وحسن البيان، إنه على ما يشاء قدير.

ويمكنك مطالعة بعض المواقع باللغة الإنجليزية والتي يمكنك الاستعانة بها في مهمتك للحديث عن عبقرية الإسلام مع أبنائك أو غيرهم:

العقيدة..الإقناع المطلق أم الخضوع المطبق
العقيدة.. وأوراق الورد

حفاظ الهوية في الغربة ..بالقرآن

!!! العربية في الغربة..لم تعد هما

-كما يوجد في هذه الاستشارة مادة مجمعة لكل معالجاتنا السابقة حول الحفاظ على هوية أطفالنا في الغربة:
ملتقى المغتربين..دعوة زائر لتبادل الخبرات