مشكلة العديد من الأولياء التحاق أبناءهم بالمدرسة لأول مرة، فعلى الرغم من التحضير النفسي والتدريب وغيره من الطرق، يجد الطفل نفسه في عالم غريب بالنسبة إليه..فتحدث المشكلة..ضعف الثقة بالنفس، أحد الأطفال مثلا، منذ التحاقها بالمدرسة في الخامسة من العمر رفضت الحديث في الفصل لأكثر من نصف عام، والسبب أنها تخشى أن يضحك عليها الآخرون، ومع أن معلمتها استنفدت معها جميع المحاولات، لكن بلا فائدة، فهي تلتزم بالحفظ والمشاركة، ولكن فقط في إذن المعلمة.

لقد اتضح من خلال هذا السلوك، أن هذه الطفلة تعاني من مشكلة عادة ما تكون عند الأطفال في بداية حياتهم الدراسية وهي ضعف الثقة بالنفس، فهي تتعامل مع ما حولها بنفسية مهزوزة، وخائفة من (ضحك الآخرين عليها) وسخريتهم منها. ولا يبدو بدقة ما الذي جعلها على هذه الحالة من ضعف الثقة. وهناك العديد من الأسباب لمثل هذه الحالة:

يقول الكاتب “كوستي بندلي” في كتابه “الولد الخجول وتربية الثقة بالنفس”: “إن للخجل أسبابًا متنوعة بعضها يعود لمرحلة النمو التي يجتازها الطفل؛ حيث هناك مرحلتان قد يبرز فيهما الخجل بشكل طبيعي، وهما: مرحلة المراهقة، ومرحلة الـ 3 – 4 سنوات، إذ إن شخصية الطفل تبدأ في هاتين المرحلتين بالتحديد في التميز عن البيئة؛ فقد يصاحب ذلك شرخ بين الطفل ومحيطه؛ فتضعف بالتالي قدراته على التجاوب مع هذا المحيط، حتى يستطيع التكيف معه مجددًا على أسس جديدة، كما أن هناك أسبابًا أخرى تعود لعلاقات الطفل بالمحيط العائلي وبوالديه؛ إذ يلجأ الطفل للانطواء للاحتماء من العلاقات الاجتماعية بسبب ما في علاقته بوالديه أو الجو العائلي المحيط، حيث يتسبب في إضعاف ثقته بنفسه”، ومن أمثلة هذه الأسباب العلائقية:

  1.  تربية الوالدين للطفل بشكل متسلط، وهذا قد يشكِّل عائقًا في سبيل نمو شخصية الطفل؛ إذ لا يقيم الوالدان وزنًا لآراء الطفل أو ميوله أو حاجته، ولا يُترك له المجال للتعبير عن رغباته وإبداء آرائه وأفكاره، وينظر إليه بصفته كائنًا تابعًا يفرض عليه القالب الذي يلائم إرادة الأهل، ويحققون من خلاله مشاريعهم الذاتية، وبالتالي يترعرع هذا الكائن في الخجل، وعدم أو ضعف الثقة بالنفس، وعدم القدرة على الإحساس بهويته الخاصة، ويحيا في عالم من الفراغ وعدم التوافق مع نفسه.
  2. الحماية الشديدة من ذوي الطفل والمحافظة الدقيقة عليه، حيث إن الاحتضان المفرط للأطفال يحمل في طياته رسالة تخويف موجهة للطفل من المجابهة ومن عملية النمو.
  3. كذلك قد يبرز ذلك الخجل عند انتقال الطفل من محيط الأسرة الدافئ إلى محيط المدرسة، فقد يشعر بأنه فقد مركزه المتميز في الأسرة، وأصبح متروكًا لنفسه في محيط لا يوليه الاهتمام الخاص الذي كان يحظى به فيشعره ذلك بالدونية والخشية، وبالتالي بالخجل في علاقاته مع المجتمع الجديد.
  4. علاقة الولد بإخوته، فقد يصبح الطفل خجولاً بعد ولادة أخ أو أخت له؛ إذ ينتزع منه ما كان له وحده من عطف وحب ورعاية؛ فيُحدث هذا الشعور تبديلات في شخصيته، فيظهر لديه الخجل الذي يحاول من خلاله لفت نظر الوالدة إليه؛ حيث يشعر أنها لم تَعُد تهتم به ولا تكترث لوجوده.
  5. شعور الطفل بعدم الرغبة في وجوده؛ كأن يصرِّح أمامه برغبة والديه في بنت بدلاً من هذا الولد أو العكس؛ فيتضاءل، ويشعر بالرغبة في الاختفاء من حياتهما.
  6. الجو التثبيطي الذي يجعل الطفل دائمًا في موضع الضعيف والمخطئ والعاجز، والاستهزاء بالطفل، والاستخفاف بقدراته.

وغيرها من الأسباب التي سردناها في معالجات سابقة، سنوردها في نهاية الاستشارة.

ونأتي الآن لما يمكن أن يقوم به الوالدان لمعاونة طفلتهما على تجاوز هذا الأمر، طبعا بالتعاون مع مدرستها -إلى جانب ما في المعالجات التي سنوردها في النهاية-.

دور البيت والمدرسة في تشخيص وعلاج المشكلة:

  1. ينبغي تفهم خجل الطفة، وذلك بفهم سبب الخجل والارتباط المحتمل بينه وبين علاقة الأبوين بها، بحيث يعملان على تطويرها نحو ما يسمح لها باستعادة ثقتها بنفسها.
    يجب إحاطتها بالحب والحنان المتوازن، ومد معها جسرًا من الحوار؛ فإحساسها بقربها من والديها سيشكل أفضل تشجيع لها للتغلب على خجلها. وفي هذا يقول دكتور “دودسون” مخاطبًا الآباء: “ينبغي للأب أن يمارس مع ولده أسلوب “الارتكاس” أو “الارتجاع الشعوري” كأن يقول لابنه: “أعرف أنك خائف بعض الشيء من اللعب مع فلان؛ لأنه صاخب جدًّا ومشاكس جدًّا”، فبهذه الطريقة التي يرجع فيها الأب مشاعر الخوف والقلق التي يعاني منها إليه مرة أخرى يثبت له بأنه يفهمه.. وهذا أفضل سبيل للتغلب على الخجل أو الخوف؛ فهذا أفضل من إهمال الخجل أو دفع الطفل للسيطرة عليه؛ إذ يزيد ذلك من احتماء الطفل بقوقعته”.
  2. يجب على الوالدين تحاشي إبراز خجل الطفلة خاصة بشكل علني، حتى لا يرسخ ذلك لديها الشعور بعجزها، ولا يزيد من إضعاف ثقتها بنفسها؛ إذ يفترض أن مثل هذه الطفلة شديدة الحساسية لتعبيرات الآخرين لها، كذلك يجب عدم انتقادها أمام الآخرين، أو لفت الأنظار لما تعانيه من خجل؛ حتى لا نضيق عليها أكثر؛ فتتضاعف وطأة الخجل عليها، وتود لو تُحجب تمامًا عن الأنظار.
  3. الخطوة الثالثة هي أهم ما يجب اتخاذه لتخطي هذه المشكلة بسهولة ويسر إن شاء الله تعالى، وهي إفساح المجال أمام الطفلة لتحقيق التغلب التدريجي على الخجل من خلال سلسة من النجاحات الصغيرة تحققها أمام الآخرين، وتنقسم هذه المهمة إلى شقين يجب أن يتلازما جنبًا إلى جنب من حيث التنفيذ: الشق الأول على الوالدين الكريمين، والآخر على المدرسة؛ فالطفلة في أمسِّ الحاجة إلى نتائج إيجابية ملموسة تردّ بها شيئًا فشيئًا الاعتبار لنفسها؛ فتؤمن تدريجيًّا بإمكانياتها، وتشعر بيسر متزايد في علاقتها بالمجتمع.

الشق الأول: الوالدان

  • يجب اقتراح عليها مهامَّ متفاوتة الصعوبة تتدرج في مواجهتها وفقًا لإمكانياتها؛ مثل: ترتيب اللعب – إعداد الفراش – ترتيب الحجرة – مساعدة الأم في الأعمال المنزلية  تلوين رسم ما… إلخ.
  • يجب الثناء عليها وعلى أدائها حتى وإن لم يكن متميزًا، وبشكل مكثف .
  • أبراز نجاحها وخصوصًا أمام الغرباء بحيث يكون على مرأى ومسمع منها؛ لتشعر بأنها موضع فخر وإعجاب، فتنتعش ثقتها بنفسها مع عدم البدء معها بما لا تحب أو ما فشلت فيه من قبل، بل التفتيش عن سبل وأشياء لم تفعلها من قبل للبحث عن صفحات جديدة تحقق فيها انتصارات كفيلة بأن تعيد لها الثقة بنفسها.
  • أشراكها في اختيار ملابس أخيها الصغير مثلاً، واصطحابها لشراء الأشياء من السوق، واستشارتها في نوع الطعام، والثناء على اختيارها بفخر.

الشق الثاني: المدرسة

  • لا بد من تعاون الجانبين، وتلازم المجهودات في إعطاء الطفلة جرعة زائدة مكثفة من التشجيع والحفز؛ لتخطي هذه العثرة بسهولة فيمكن للمدرِّسة في الفصل بالاتفاق مع الأم افتعال بعض المواقف؛ لغرس الثقة في الطفلة وتشجيعها على المشاركة في الفصل؛ فمثلاً:
  • تبدأ المدرّسة في طرح سؤال سهل على أطفال الفصل، بحيث تأتي صيغة السؤال غير موجهة لطفل بعينه، فتقول مثلاً: “هيَّا ليجب الشاطر على هذا السؤال، من؟”. سيرفع كثير من الأطفال أيديهم للإجابة -احتمال كبير لن تكون هي منهم. تبدأ المدرسة وبخفة وسرعة في اختيار الأطفال للإجابة بحيث تختار طفلاً قبلها وطفلاً بعدها، في خفة بحيث لا يتسنى للطفة الانتباه إلى أنها لم ترفع يدها، بحيث تشير إلى طفل، ثم إليها، ثم تشير إلى طفل آخر من ورائها، بل وتثني عليها وتقول لها كلمات من الثراء والإطراء حتى وإن لم تجب
  • عندما تأتي الأم لأخذ طفلتها من المدرسة، وبالاتفاق مع المدرسة، تقوم المدرسة بمدح الطفلة والإشادة بها أمامها وبصوت مسموع ملؤه الفخر، وهكذا ستشعر الطفلة أنها مرضيٌّ عنها من جميع الأطراف، ومحط اهتمامهم وسعادتهم وفخرهم؛ وهو ما يساعدها على أن تستعيد ثقتها بنفسها تدريجيًّا.

وهكذا فإن ما تحتاجه هذه الطفلة، وغيرها كثيرون، هو إبعادها عن ضعف الثقة بالنفس، وإعادة بناء ثقتها في نفسها عبر الثناء، والإطراء، والتضخيم من حجم نجاحات تحرزها، حتى ولو كانت صغيرة؛ لتُزيل آثار الاهتزاز في نفسها، ويُعاد لها ثقتها مرة أخرى.