قصر جمهور العلماء السباق بعوض على هذه الثلاث ، وقد قدم كل من (الدكتور محمد عبد الرحيم سلطان العلماء- أستاذ الفقه وأصوله بجامعة الإمارات العربية- والدكتور محمود أحمد أبو ليل – أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة بجامعة الإمارات العربية المتحدة) بحثا إلى مجمع الفقه الإسلامي في دورته الرابعة عشرة، خلصا فيه إلى جواز المسابقات بعوض وهذه خلاصة ما ذكراه ببحثهما بهذا الصدد:-

هناك أقوال متعددة في مجال المسابقات بعوض نجملها فيما يلي:

القول الأول:لا يجوز السباق بعوض مطلقا، وحكي هذا القول عن مالك وأبي حنيفة، وهو خلاف المشهور عنهما في المراجع المعتمدة.

القول الثاني:ذهب المالكية والحنابلة في الأصح عنهم، والشافعية في وجه لهم أن المسابقة في عوض لا تجوز إلا في الثلاث الواردة في “لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر”.

والمقصود: السهام والإبل والخيل، والمسابقة في السهام تكون في إصابة الهدف أو بعد الرمية، والمسابقة في الإبل والخيل أجازها بعضهم مع اختلاف جنس المركوب، وشرط بعضهم أن تكون واحدة من الجانبين.

ووجه قصر العوض على هذه الثلاثة أنها استثنيت في الإباحة فدلت على اختصاصها بالعوض، وعلة اختصاصها بذلك أنها من آلات الجهاد المأمور بتعلمها وإحكامها والتفوق فيها، والمسابقة بها مع العوض فيه تشجيع على المبالغة في الاجتهاد فيها والإحكام لها.

قال الشافعي في الأم: “وهذا داخل في معنى ما ندب الله عز وجل إليه وحمد عليه أهل دينه من الإعداد لعدوه القوة ورباط الخيل، والآية الأخرى: (…. فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ …) (الحشر : 6 )؛ لأن هذه الركاب لما كان السبق عليها يرغب أهلها في اتخاذها لآمالهم إدراك السبق فيها والغنيمة عليها كانت من العطايا الجائزة بما وصفتها، فالاستباق فيها حلال وفيما سواها محرم”.

وقالوا: الخبر نكرة في سياق النفي فدل على عموم منع ما لا تجوز المسابقة به بعوض خلال المذكور، ثم إن غير هذه الثلاث لا يحتاج إليها في الجهاد كالحاجة إليها؛ فلا يتأتى القياس عليها، وهذا بحسب عرف زمانهم.

القول الثالث: ذهب الحنفية إلى إضافة السباق على الأقدام إلى الثلاثة المذكورة؛ لحديث مسابقة النبي صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها.
ولكن يرد على ذلك أنه ليس في الحديث ما يدل –بالنص- على مشروعية وضع السبق أي الجعل، وإنما يدل على مشروعية السباق فقط، إلا أنه يمكن أن يؤخذ ذلك من القياس لأن الأقدام في قتال الرجالة كالخيل في قتال الفرسان.

ونسب في المغنى وتكملة المجموع إلى الحنفية كذلك جواز السباق بعوض في المصارعة استدلالا بحديث مصارعة النبي صلى الله عليه وسلم ركانة بن عبد يزيد على شاء، وروايات الحديث لا تصح منها واحدة، إلا أنها بمجموعها تنهض للاحتجاج.

وأجاب المانعون بأن صراع النبي صلى الله عليه وسلم لركانة بن عبد يزيد كان طمعا منه في إسلامه، ولهذا لما أسلم رد عليه الغنم.
وجاء عن الحنفية أيضا جواز الرهان في العلم لقيام الدين بالجهاد والعلم، واستنادا إلى رهان أبي بكر الصديق رضي الله عنه مع أبي بن خلف حينما تحاجا في غلبة الروم للفرس في بضع سنين.

القول الرابع: أنه يقاس على الثلاثة ما كان في معناها، فقد ذهب الشافعية في المشهور عنهم إلى جواز المسابقة بعوض على البغال والحمير؛ لدخولها في قوله صلى الله عليه وسلم: “أو حافر”، وتجوز على الفيل لأنه يقاتل عليه كالإبل.

وأجازوا في غير المشهور السباق بعوض على الأقدام والطير والسفن وفي المصارعة؛ لما فيها من تحصيل القوة في الجهاد.
وذكر ابن البنا وجها للحنابلة في جواز المسابقةبعوض على طير معدة لأخبار العدو وفي المصارعة.

وجاء في الفروع عن ابن تيمية جواز المسابقة في الصراع والجري ونحوهما إذا قصد به نصر الإسلام، واعتباره أحد الوجهين وقال: وظاهره جواز الرهان في العلم وفاقا للحنفية كما مر.

القول الخامس: جواز المسابقة على عوض في كل شيء، وهذا منقول عن عطاء.
ولعل دليله التوسع في القياس على الثلاثة المذكورة في الحديث.

وأساس الاختلاف في المسألة هو جواز القياس على الثلاثة المذكورة في الحديث أو عدم جوازه، وهل هي رخصة مستثناة من جملة المغالبات المحظورة؟ فيقتصر الجواز عليها، أم أن النص على الثلاثة أصل مبتدأ ورد الشرع ببيانه، وليس بمستثنى وإن خرج مخرج الاستثناء؛ لأن المقصود به التوكيد دون الاستثناء، وعليه فيقاس عليه ما كان في معناها، كما قيس على الأصناف الربوية الستة ما وافق معناها.

والذي يبدو لنا هو الاحتمال الثاني؛لأن الأصل في غير التعبديات جواز التعليل والقياس، فكل ما يساهم في رفع القدرات القتالية للجهاد الإسلامي ويعتبر من مظاهر القوة في المجتمع؛ تجوز المسابقة فيه بعوض وبغير عوض، والحصر الوارد في الحديث لا يمنع من الإضافة إليه كما بينا سابقا، وهذا مألوف في عرف الشريعة.

ومن المفيد هنا أن نذكر أن ابن تيمية وتلميذه ابن القيم قسما المسابقات من حيث جواز جعل العوض فيها إلى ثلاثة أقسام:
قسم أمر الله به ورسولهصلى الله عليه وسلم كالسباق بالخيل والإبل، والرمي بالسهام ونحوه من آلات الحرب، وهذا يجوز بالجعل وبغيره، لأنه داخل في قوله تعالى: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة)، ولأنه يعين على الجهاد.
قسم مبغوض لله ولرسوله– صلى الله عليه وسلم- كالمغالبات التي تصد عن ذكر الله تعالى وتوقع العداوة والبغضاء ولا تعين على الجهاد؛ فهذا لا يجوز اللعب فيه بالعوض إجماعا، وأما بدون العوض فالنرد لا يجوز اللعب به مطلقا، وكذا الشطرنج عند جمهور العلماء خلافا لبعضهم.

قسم فيه مصلحة راجحةمتضمن لما يحبه الله ورسوله، ولكنه ليس مأمورا به على الإطلاق؛ لعدم احتياج الدين إليه كالمصارعة والجري والسباحة ورفع الأثقال ونحوها؛ فهذا يجوز بغير عوض، لما فيه من ترفيه عن النفس وقد يكون طاعة بالنية الصالحة، ولكن لا يصح العوض فيه عند جمهور العلماء حتى لا يتخذ صناعة ومكسبا وملهاة عن مصالح الدنيا والدين.
وهذا تقسيم حسن، ولكن منع العوض في القسم الثالث محل نظر.