تعد صناعة الخزف من النماذج المعبرة عن دور التكنولوجيا في سعادة أقوام وشقاء آخرين، أو بالأحرى هي نموذج لآلية إدارة العلاقة بين الحرف التقليدية وما تمثله من بعد ثقافي واجتماعي-اقتصادي، وبين الصناعات الحديثة وما تمثله من رأس المال بقوته وجبروته وما تمثله كذلك من تطور وتقدم.

الحرفة صارت علماً

السيراميك: هو فرع التكنولوجيا أو العلم أو الفن الذي يتعامل مع خامات فلزّيّة غير معدنية ولا عضوية، أو المتعلق بإنتاج سلع أو أدوات من هذه المواد أو باستخدامها، وبالرغم من أن المفهوم الشائع لدى الناس أن الخزف لا يتعدى الأغراض التقليدية في الاستخدام مثل أواني الطهي وأدوات المائدة التي تصنع غالبا من البورسيلين، وكذلك الخزف الصحي إضافة إلى سيراميك الحوائط والأرضيات، إلا أنه لم تعد كلمة خزف كافية لوصف وتحديد مجال واسع من المنتجات والأجسام والتقنيات السيراميكية التي تتنوع في أشكالها وبنياتها، مثل المواد المتعددة البلورات والمواد ذات البلورة الواحدة والمواد غير البلورية، والكتل، والحبيبات، والطبقات السميكية والدقيقة والألياف؛ ولذلك نستخدم كلمة سيراميك لتدل على ما سبق.

صارت صناعة حديثة

كانت صناعة السيراميك من الصناعات أو الحرف والفنون القديمة جدًّا منذ بداية العصر الحجري وخلال العصور المختلفة، وخاصة في العصر الإسلامي، حيث إنه بالجانب لقيمته الفنية إلا أن له جانبًا تطبيقيًّا هامًّا حيث لا يمكن الاستغناء عنه في أي منزل (بيت).

وفيما مضى لم توجد أي بوادر تشير إلى نقلة تكنولوجية ملحوظة في صناعة الخزف، حيث ظل الإنتاج يعتمد على وسائل تقليدية بدائية، وتمثّل معظم الإنتاج في منتجات الخزف الأرضي ذي الخواص المعروفة من حيث ارتفاع المسامية وسمك ملحوظ للجدران، وانخفاض درجات الحريق، وكانت المنتجات تكفي لتلبية الاحتياجات الأساسية من أواني حفظ الماء والطهي وما شابهها، وكذلك كان هناك استخدام لطرق تشكيل بدائية يدوية بالحبال وبالقِطَع، والتشكيل على عجلة الخزّاف (الدولاب) وبالرغم من أن هذه الطرق بدائية فإنها تعطي حسًّا فنيًا رائعًا، وتستخدم هذه الطرق حالياً؛ لما تتميز به من قيمة فنية عالية، ويستطيع القيام بها الفرد البسيط أو الأسرة الصغيرة أو المرأة في منزلها.

وبداية من الثورة الصناعية في القرن 19، بدأ استخدام طاقة البخار في عمليات التصنيع التي أصبح لها أثرها الكبير على العمليات الصناعية السيراميكية التي أصبحت تتم من خلال الميكنة، مثل الخليط، والترشيح، والكبس الجاف، ولم ينتشر استخدام الميكنة بشكل واسع جدًّا؛ حيث ظلت بعض المصانع –خاصة في إنجلترا موطن اختراع الآلة البخارية- تستخدم طرق يدوية لإنجاز بعض عمليات الإعداد والتحضير.

وقد واجه هذا العلم (السيراميك) تطورًا سريعًا في فترات زمنية تارة، وتطورًا بطيئًا تارة أخرى وخاصة في النصف الثاني من القرن العشرين.

تطبيقات عديدة وجديدة

أصبحت مجالات الاستفادة من الخزف عديدة ومتسعة جدًّا يدخل فيها الخزف بشكل أساسي، ومن هنا قُسّم السيراميك كمنتجات تبعًا للخواص الفيزيائية والكيمائية إلى:

1- منتجات كهربائية:

مثل أجزاء الدوائر الكهربائية -ومرشح الفلتر- وأجهزة تعمل بالموجات فوق الصوتية-وأجهزة ضبط نسبة الوقود في الهواء في محركات السيارات- وأجهزة مراقبة تسرب الغازات.

2- منتجات مغناطيسية:

مكونات خاصة بذاكرة الكمبيوتر- والشرائط الممغنطة- والرؤوس المغناطيسية لأجهزة تسجيل الصوت.

3- منتجات نووية:

الحوائط الواقية للمفاعلات النووية.

4- منتجات بصرية:

لإنتاج أجزاء شفافة تقاوم الحرارة العالية والتآكل.

5- منتجات ميكانيكية: الهندسة السيراميكية:

أجزاء آلة الاحتراق الداخلي للسيارات-وأدوات القطع والجلخ- ومضارب التنس- والسكاكين.

6- منتجات حرارية: عوازل حرارية- وحوائط مقاومة الحريق.

7- منتجات كيمائية: وسائط التبادل الإلكتروني- ومساعدات الحفز.

8- منتجات بيولوجية: بيوسيراميك: أجراء صناعية للعظام- ومفاصل صناعية- وأسنان صناعية- ومشارط للعمليات الجراحية.

9- منتجات جمالية: السيراميك التقليدي: استخدامات منزلية أو مؤسسية مثل: أواني الطهي-وبورسيلين الفنادق- وأدوات المائدة– والأدوات الصحية- وعوازل البورسيلين الكهربية -وبلاط الأرضيات والحوائط- وأشكال ومنحوتات فنية مختلفة.

الكيمياء والخزف

ومما سبق نرى التطور الهائل الحديث في القرن العشرين، وخاصة في طرق تحليل الخامات، وتتيح هذه الطرق معرفة واسعة في خواص وسلوك المواد السيراميكية، ولقد تطورت هذه الأبحاث، خاصة أثناء الحرب العالمية الثانية وفي ألمانيا تحديدًا، وتوصلوا إلى أجسام تسمى البورسيلين أسيتايت التي تستخدم في مجال الترددات العالية.

وهناك استخدام الوسائل للخامات في مجال الحراريات حيث تم إنتاج طوب ذي مواصفات ممتازة من خلال زيادة محتوى الألومينا وتحسين طرق التشكيل، ومن أهم هذه الأنواع: طوب الألومينا سيليكا، والألومينا العالي.

أما التقنيات المستخدمة في إجراء التحليلات الكيميائية للخامات فقد وصلت إلى حد هائل من التطور، حيث يمكن القيام بعملية التحليل الكيميائي لتركيز يصل إلى أقل من الميكرون.

وكذلك تحليل أسطح يصل تركيز سمكها إلى طبقات ذرية معدودة، وفي مجال تحليلي التركيب الجزيئي للمواد، فإنه من الممكن خلال زمن قصير -دقائق قليلة- تحديد جزيئات تصل إلى أقل من واحد من الميكرون، كما وصلت صناعة أشباه الموصّلات في العمليات السيراميكية سواء كانت في هيئة مكونات تدخل في تصميم الأجهزة والمعدات، أم كانت في شكل نظم الحاسب الآلي الذي أصبح استخدامه ملموسًا في إنتاج العمليات السيراميكية.

ومن ذلك يتضح أن مفهوم علم الخزف لم يعد يقتصر على تلك المفاهيم الشائعة التقليدية، وإنما أصبح أكثر تطورًا وأهمية.